تصاعد الجدل في الأوساط السياسية الإيرانية بعد تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان الأخيرة التي أكد فيها أن “الحوار لا يعني الهزيمة أو الاستسلام”، في إشارة إلى إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة لتجنب مواجهة عسكرية.
التصريحات، التي جاءت خلال لقاء بزشكيان مع مديري وأصحاب وسائل الإعلام، قوبلت بانتقادات حادة من داخل التيار المحافظ، حيث اعتبر نائب مساعد الشؤون السياسية في الحرس الثوري الإيراني، عزيز غضنفري، أن مثل هذه المواقف قد تنعكس سلباً على المصالح الوطنية إذا لم تُدار بحذر.
في مقال نشره موقع “مرصد إيران”، حذر غضنفري من أن “ساحة السياسة الخارجية ليست مكاناً لقول كل حقيقة”، مشدداً على أن تكرار ما وصفه بـ ”الأخطاء الكلامية” يمكن أن يترتب عليه تبعات تمس الأمن القومي.
وأوضح أن التصريحات غير المحسوبة من مسؤولين رفيعي المستوى تضيق من مساحة مناورة الحكومة في الساحة الدولية المعقدة، وحتى في المشهد السياسي الداخلي.
وأشار غضنفري إلى أن بزشكيان خلال حملته الانتخابية في 2024 كان يقرأ نصوصاً مكتوبة لتجنب الوقوع في الخطأ، معتبراً أن هذا النهج أصبح أكثر أهمية الآن وهو في منصب الرئاسة. وأكد أن “كل كلمة وجملة تحمل دلالة خاصة”، وأن وسائل الإعلام واللاعبين الدوليين يفسرون تصريحات السياسيين بما يخدم مصالحهم، ما يجعل الحذر في اختيار العبارات أمراً حتمياً.
من جانبه، شدد بزشكيان على أن التفاوض لا يعني التراجع عن المواقف أو تقديم تنازلات مذلة، مؤكداً أن الهدف من الحوار هو حماية البلاد وتجنب التصعيد العسكري. وجاءت تصريحاته بعد أنباء عن احتمال عقد مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن خلال الشهر الجاري، في ظل مساعٍ دبلوماسية بوساطة سلطنة عُمان.
وكانت إيران والولايات المتحدة قد عقدتا خمس جولات من المحادثات غير المباشرة خلال الأشهر الماضية، إلا أن المفاوضات توقفت إثر اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، والتي استمرت 12 يوماً وشهدت استهدافاً أميركياً للمنشآت النووية الإيرانية.
وتواجه أي محادثات مستقبلية عقبات جوهرية، أبرزها إصرار واشنطن على أن توقف طهران عمليات تخصيب اليورانيوم بالكامل، وهو ما ترفضه القيادة الإيرانية باعتباره خطاً أحمر يتعلق بحقها السيادي في تطوير برنامجها النووي.
المراقبون يرون أن الخلاف بين بزشكيان وبعض دوائر السلطة يعكس الانقسام الداخلي حول كيفية إدارة الملف النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة. ففي حين يدعو الرئيس إلى الانفتاح والحوار لتخفيف الضغوط والعقوبات، يتمسك الحرس الثوري وفصائل أخرى بموقف متشدد يرى في التفاوض تنازلاً قد يضر بمكانة إيران الإقليمية.
مع ذلك، تبقى فرص استئناف المحادثات قائمة، خصوصاً في ظل الحاجة المتبادلة إلى تجنب التصعيد العسكري المباشر. لكن نجاح أي جولة جديدة من المفاوضات سيعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز الشروط المسبقة وتبني مقاربة أكثر براغماتية.
وفي ظل هذه الأجواء، تبدو تصريحات بزشكيان وتحذيرات غضنفري مؤشراً على أن معركة السياسة الخارجية الإيرانية ليست فقط على طاولة التفاوض مع الغرب، بل أيضاً داخل أروقة صنع القرار في طهران، حيث يتصارع خطاب الانفتاح مع منطق المواجهة.