"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

اغتيال الدور لا الأشخاص: لهذا وضعت إسرائيل دولة قطر في مرمى الإستهداف

رئيس التحرير: فارس خشّان
الأحد، 14 سبتمبر 2025

 اغتيال الدور لا الأشخاص: لهذا وضعت إسرائيل دولة قطر في مرمى الإستهداف

لطالما كانت قطر إمارة التناقضات المذهلة؛ تلك الدولة الخليجية الصغيرة التي نجحت في أن تكون أكبر من جغرافيتها، وأعمق من مواردها، وأكثر تأثيرًا من حجمها السكاني. في قلب العواصف الإقليمية، وقفت الدوحة كمنصة تجمع المتناقضات: تستضيف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، وتفتح أبوابها لقيادات التنظيمات “المناهِضة لأميركا”، ولا سيما الإسلامية منها، وتدير واحدة من أكثر شبكات الإعلام تأثيرًا في العالم العربي، بينما تحافظ على علاقات دبلوماسية مع أطراف متصارعة لا تجتمع إلا في خريطة النفوذ القطري.

الهجوم الإسرائيلي الأخير على قيادة حماس في الدوحة، بغض النظر عن نجاحه أو فشله في تحقيق الهدف المباشر، لا يمكن قراءته فقط كعملية أمنية أو عسكرية، بل هو محاولة لاغتيال تلك “الدهشة الجيوسياسية” التي صنعتها قطر على مدى عقدين. فاستهداف حماس في قلب العاصمة القطرية لا يضرب “ملاذ” الحركة الآمن فحسب، بل يضرب أيضًا قدرة قطر على لعب دور الوسيط، والمضيف، والموازن، والمشاكس في آنٍ واحد.

لكن هذا الهجوم لا يأتي من فراغ. فمنذ السابع من أكتوبر، ومع اندلاع الحرب على غزة، بدأ اليمين الإسرائيلي حملة منظمة ضد قطر، متهمًا إياها بدعم “الإرهاب” واحتضان قيادات حماس، بل وصل الأمر إلى المطالبة العلنية بفرض عقوبات عليها. ويبدو الهجوم الأخير وكأنه ترجمة ميدانية لهذا الخطاب التحريضي، ومحاولة لمحاكاة تلك التعبئة السياسية والإعلامية التي روّجت مبكرًا لفكرة أن قطر يجب أن تُحاسب على دورها. وزاد الطين بلة الدور الذي تلعبه شبكة الجزيرة التلفزيونية، التي تحوّلت، بكل ما للكلمة من معنى، إلى منصة دعائية لحماس وقاعدة تحريضية ضد إسرائيل.

إلا أن هذا الموقف الإسرائيلي العدائي من قطر طالما اصطدم بالخط الأحمر المرسوم حول الإمارة الخليجية، التي تقع في قلب منطقة “اتفاقيات إبراهيم”، وتعتبرها الولايات المتحدة نقطة ارتكاز لها في الشرق الأوسط، حيث تقيم قناة خلفية للتواصل مع غالبية التنظيمات التي تدرجها على لوائح الإرهاب.

لكن ثمة ما تغيّر، حتى في نظرة صنّاع القرار الأميركي إلى قطر ودورها. فقد بدت الإمارة، التي ترتبط بصورة وثيقة بكل تنظيمات الإسلام السياسي، أقرب إلى “حماس” منها إلى الرغبة الجامحة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الطامح إلى تحقيق هدف مهم في “صناعة السلام”. كانت تتيح لقيادة حماس أن تناور في المفاوضات، وأن تكسب مزيدًا من الوقت.

أدرك الإسرائيلي هذا الامتعاض الأميركي، فاستغله لتنفيس احتقان كبير ضد قطر في لحظة تأزم داخلي، حيث تزداد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى صفقة، مهما كانت نتائجها، من أجل إطلاق من بقي حيًّا من الرهائن، واستعادة جثامين من ماتوا أو قُتلوا.

كان أمام بنيامين نتنياهو خيارات عدة لاستهداف قيادات حماس، سواء في قطر أو غيرها. كان بإمكانه تفعيل طاقات جهاز الموساد لتحقيق هدفه المباشر، تمامًا كما فعل في طهران عند استهداف إسماعيل هنية، لكنه أصرّ على أن يكون الاستهداف عسكريًا وعلنيًّا ومدهشًا. مما يعني أن هدفه كان يتخطى قادة حماس ليصل إلى الموقع الجيوسياسي لدولة قطر.

ولذلك، فإن أخطر ما في هذا الهجوم الإسرائيلي على الدوحة أنه يهدد النموذج القطري نفسه: نموذج الدولة الصغيرة التي تتقن فن التوازن بين القوى الكبرى، وتستثمر في التناقضات بدلًا من أن تتجنبها.

يريد نتنياهو، في الواقع، استثمار اللحظة المؤاتية لتحويل موقع قطر من لاعب إلى ساحة، عقابًا لها على أمور كثيرة، منها تنويمه مطمئنًا على عدم عدائية يحيى السنوار، وصولًا إلى إيقاظه مضطربًا بفعل الأدوار التحريضية التي تجيدها “الجزيرة”.

تدرك القيادة القطرية ذلك، ولهذا سعت، منذ اللحظة الأولى لوقوع الهجوم الذي تعرضت له، إلى المحافظة على دهشتها الجيوسياسية في وجه محاولات “تطبيع” دورها ضمن معادلات أكثر صرامة وأقل مرونة.

وقد تكون نقطة التحوّل في نظرة إسرائيل والولايات المتحدة إلى قطر قد تكوّنت في ذلك اليوم الذي سمحت فيه القيادة القطرية بأن تكون ساحة تنفيس للاحتقان الأميركي–الإسرائيلي، باستضافتها مسرحية القصف الإيراني “الانتقامي” ردًا على الهجوم الأميركي على المنشآت النووية في ختام حرب الأيام الـ12.

المقال السابق
هذا ما بقي من بشير الجميل وفق نواف سلام
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

أفيخاي أدرعي يهين "حزب الله" والحكومة تنتظر أن تعيد سلطة الدولة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية