"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

توم براك على "مشرحة" السويداء!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الأحد، 20 يوليو 2025

شاهد/ي “بودكاست:” بعنوان: السويداء: وقف نار “تفتيتي”!

لم يعد سرًّا أنّ إسرائيل تتطلع إلى تقسيم سوريا وتحويلها إلى مناطق متعددة النفوذ. وهي تحاول، بلا شك، استغلال حاجة بعض أبناء الطائفة الدرزية إلى الحماية، في ظل سعي أطراف منهم إلى إقامة حكم ذاتي، لتفعيل مشروعها الجغرافي.

في المقابل، حاول الرئيس السوري أحمد الشرع تجنب تجرّع هذه الكأس المرّة. فمدّ يده نحو واشنطن، ساعيًا إلى كسب ودّ رئيسها دونالد ترامب، مستعينًا في ذلك بحلفاء أساسيين للبيت الأبيض: تركيا، التي سبق أن هنّأها ترامب على الاستيلاء على أجزاء من سوريا؛ المملكة العربية السعودية، التي قال الرئيس الأميركي إنّه لا يردّ طلبًا لولي عهدها الأمير محمد بن سلمان؛ والإمارات العربية المتحدة، التي فاجأت المراقبين بإقامة علاقات ودّية مع نظامٍ يسيطر عليه تنظيمٌ من تنظيمات الإسلام السياسي.

الشرع يؤمن أنّ خطط إسرائيل الهادفة إلى العبث بالاستقرار الجغرافي والديموغرافي تبقى مجرّد حبرٍ على ورق من دون الموافقة الأميركية.

وعندما حاول، قبل أشهر، فرض نفوذ نظامه على دروز سوريا تزامنًا مع تقدّم المفاوضات مع الأكراد، وبعد “تجربة حاسمة” مع العلويين، ووضع مبادئ دستورية أثارت غضب الأقليات، لم يكن قد نجح بعدُ في تطبيع العلاقة مع البيت الأبيض.

غير أنّ التدخل الإسرائيلي لصالح الدروز، في ضوء أحداث ريف دمشق، دفعه إلى التراجع مؤقتًا عن مشروع “بسط سلطة الدولة على جميع مكوناتها”، بانتظار ظروف مؤاتية.

وظنّ الشرع أنّ هذه الظروف قد حانت: لم يصافح ترامب فحسب، بل نال منه أيضًا مديحًا استثنائيًّا، وتم رفع العقوبات الأميركية عنه وعن تنظيمه “هيئة تحرير الشام”، وجبهة النصرة” التي انبثقت منها “هتش”. كذلك دخل في مفاوضات لتجديد اتفاقية فصل القوات مع إسرائيل، التي كانت سابقًا تصوّره كنسخةٍ جديدة عن يحيى السنوار، زعيم “حماس” الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي في غزة.

ورغم ذلك، بقي الشرع في حالة حذر شديد… إلى أن وصل المبعوث الأميركي، توم براك، السفير “فوق العادة” في تركيا.

براك أغرق الشرع بالمواقف الإيجابية، مؤكدًا رفض واشنطن لمشاريع التقسيم والفدرلة التي تُطبخ في الدوائر الإسرائيلية، وتأييدها لسوريا الموحدة والمركزية. وأبلغه أنّها لا تريد سماع حديث عن كيانات درزية أو علوية أو كردية.

ولم يبقِ براك هذه التصريحات حبيسة الغرف المغلقة، بل نقلها إلى الإعلام، معلنًا ذلك صراحة في لقاء حواري انعقد يوم 11 تموز الجاري في نيويورك.

لكن بعد يومين فقط، تحولت حادثة سرقة تعرض لها أحد أبناء الطائفة الدرزية على طريق السويداء–دمشق إلى شرارة مواجهة عسكرية دموية بين دروز المحافظة والبدو، الذين تلقوا دعمًا من عشائر درعا.

وهنا، أراد الشرع اختبار ثقته بوحدة سوريا تحت سلطته، فأرسل قواته إلى السويداء، حيث اشتبكت مع فصائل درزية ترفض الخضوع للحكومة المركزية.

وفي لحظة حرجة، بدت كلمات توم براك في وادٍ، والواقع الميداني في وادٍ آخر. إذ دخلت إسرائيل، صاحبة مشروع التقسيم، على الخط: حذّرت الشرع، ثم قصفت مبنى الأركان في دمشق ومحيط قصر الشعب، المقر الرئيسي له، بعدما كانت قد استهدفت القوات الحكومية في درعا ومحيطها، وهاجمت دبابات كانت في طريقها إلى السويداء.

كما رسمت إسرائيل خطوطًا حمراء حول دروز سوريا، وأعلنت نفسها حامية لهم ولكيانهم الجغرافي، ملمّحة إلى دمجهم مع دروز الجولان المحتل ضمن ترتيب يجري العمل عليه.

أما براك الذي رفع الصوت قبلًا لوحدة سوريا، فقد بدأ لاحقًا يرفع الصوت من أجل “سلامة الدروز”.

تراجع الشرع تكتيكيًّا، وترك الأرض لصراع الدروز والبدو. ثم بدأ اتصالاته من جديد، متوجّهًا إلى داعمه العسكري رجب طيب أردوغان، وراعيه العربي محمد بن سلمان، اللذين حرّكا وسائل الضغط على حليفهما دونالد ترامب.

أدت الضغوط الى فرض وقف إطلاق النار في السويداء، ولكن ليس على قاعدة وحدة سوريا، إذ إنّ الإتفاق أعطى اسرائيل حق التدخل في شؤون السويداء، فكانت هي الطرق الثاني في الإتفاق مع الشرع.

وسرعان ما عاد توم براك الى الكلام عن وحدة سوريا، خصوصا بعدما بدا، في الكواليس، كأنّته رسم صورة غير واقعية للشرع، فأوقعه في كمين غير مقصود.

حتى الآن، يتقدّم مشروع فصل السويداء عن سوريا بقوة، وتكمن خطورته في إمكانية تمدده لاحقًا ليطال العلويين والأكراد، ومن ثم كيانات سايكس–بيكو.

على الأرجح، سيجد الشرع دعمًا تركيًّا–سعوديًّا، لكن لا أحد يستطيع أن يجزم بنتائج هذا الدعم.

الرافضون للتقسيم يراهنون على موقف تركيا الرافض لإقامة كيان كردي مستقل، وعلى تمسك السعودية بالعشائر العربية في جنوب سوريا. أما المؤيدون للتقسيم، فيرون أنّ إسرائيل، بعد إعلان نفسها حامية للدروز، لن تتراجع عن مشروعها في إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

وفي الحالتين، هناك شخص يحتاج إلى إعادة تثبيت صدقيته تجاه الحكام: توم براك.

المقال السابق
وصفة واشنطن لبقاء سوريا "موحدة وحرة"
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

السويداء: وقف نار "تفتيتي"!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية