في سياق التحذير من مغبة استباحة إسرائيل لإيران، كلّما وجدت هدفًا مهمًّا، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي:” إيران ليست لبنان، وأي اعتداء سيقابل برد فوري”.
الكلام “الاستهزائي” عن لبنان له مسوّغاته عند عراقجي، فالجيش الإسرائيلي، وعلى الرغم من تفاهم وقف العمليات العدائية الذي تمّ التوصل اليه في السادس والعشرين من تشرين الثاني الأخير، لم يتوقف، ولو ليوم واحد، عن استهداف مقاتلي “حزب الله” ومنازلهم كما المواقع العسكرية التي يشتبه بأنّها تستضيف نشاطات “مشبوهة” او أسلحة “محظورة”.
وعلى الرغم من هذا السلوك الإسرائيلي المنهجي، يمتنع “حزب الله “عن الرد. ويرى العارفون أنّ امتناع الحزب هذا ليس نابعً ا عن “حكمة” بل عن ضعف” بسبب الخسائر الكبيرة التي ألحقها به الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة. ولم ترغب الدولة اللبنانية الغارقة في مشاكلها البنيوية الحادة، في الدخول يومًا في حرب “انتحارية” ضد إسرائيل. ويعجز المسؤولون اللبنانيون عن إقناع الولايات المتحدة الأميركية بممارسة الضغوط على تل ابيب لتوقف اعتداءاتها، بفعل تلاقي النظرة الإسرائيلية- الأميركية- العربية على وجوب نزع سلاح “حزب الله” وتفكيك جهازه العسكري الضخم.
وهكذا تحوّل سلاح “حزب الله” الى منصة لاستهداف لبنان بثلاثة أنواع من “الضرر”:
أولًا، الضرر المعنوي، بتحوّله الى سخرية “الواهب”، أي إيران.
ثانيا، إستمرار الحرب على لبنان، الأمر الذي يوقع الدمار والقتلى ويمنع عودة جميع النازحين، ويحول دون تحرير ما تمّ احتلاله من أرض، بعدما رفض الجيش الإسرائيلي الإنسحاب من تلال جنوبية استراتيجية.
ثالثا، امتناع الدول الصديقة عن توفير الأموال اللازمة لإعادة إعمار ما هدمته الحرب.
وعلى الرغم من تراكم الخسائر المادية والمعنوية والبشرية، من جهة والعجز عن إقامة توازن رعب، من جهة أخرى، تقف الدولة اللبنانية في دائرة العجز، على الرغم من ضغط المجتمع الدولي عليها لوضع خارطة طريق تنهي ملف سلاح “حزب الله”.
ويبدو، كما بات واضحا، أنّ الحكومة اللبنانية وصلت الى “نقطة البت”، فإمّا تتولّى هي عملية سحب سلاح “حزب الله” أو تتولاها إسرائيل.
الجيش الإسرائيلي كان قد اعتبر في بيان صادر عنه، إثر استهدافات لمواقع خاصة بحزب الله” أنّ سلاح حزب الله ونشاطاته في شمال نهر الليطاني هي
انتهاك فاضح لتفاهم وقف إطلاق النار”.
وهذا البيان يعني أنّ إسرائيل أعلنت رسميًّا بدء مرحلة نزع سلاح الحزب في شمال نهر الليطاني، وهي سوف تتولى هذه المسألة بنفسها، طالما أن السلطة اللبنانية “تتلكأ”.
في وقت سابق كان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي أخذ على عاتقه معالجة ملف سلاح حزب الله، قد برر أمام زواره، عدم التحرك الفاعل، بوجوب انتظار ما سوف تسفر عنه المفاوضات التي كانت قائمة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، حتى يُصار في ضوئها إلى رسم مستقبل التعاطي الرسمي مع سلاح الحزب.
إنتهت المفاوضات الى حرب بدأتها إسرائيل على إيران وأنهتها الولايات المتحدة الأميركية بتدمير المواقع النووية.
حاليا، انتهت صلاحية هذا المبرر “المنطقي” للإنتظار، ودخلت الأمور أدق مراحلها، وبات على لبنان أن يقرر ماذا سيفعل. الأميركيون يطالبون بذلك بصراحة، على ألسنة اللطفا ء منهم والفظين، والإسرائيليين يخيّرون لبنان بين القوة التي لديهم وبين اللياقة التي لدى المسؤولين اللبنانيين.