في مشهد بات مألوفًا ومثيرًا للدهشة في آن، أغارت الطائرات الإسرائيلية مجددًا على مواقع تابعة لحزب الله في منطقة الهرمل. الغارات وقعت يوم الاثنين، لتضيف حلقة جديدة إلى سلسلة طويلة من الاعتداءات التي لم تلقَ ردًا يُذكر من الحزب الذي يرفع شعار “المقاومة”.
المفارقة ليست في توقيت الغارات، فقط بل في جدوى ما يسميه البعض في لبنان بالمقاومة. فحزب الله، الذي يرفض تسليم سلاحه بحجة الدفاع عن لبنان في وجه أي عدوان إسرائيلي، يبدو وكأنه نسي أن إسرائيل هي العدو المفترض لهذا السلاح. منذ ٢٧ تشرين الثاني الماضي، استهدفت إسرائيل أكثر من ثلاثمائة مناصر للحزب، ونفّذت غارات شبه يومية على مواقع تزعم أنها تحتوي على أسلحته أو تشهد تحركات لأنص اره. ومع ذلك، لم تُطلق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل.
في المقابل، لا يتوانى الحزب عن توجيه تهديداته للحكومة اللبنانية، إن هي فكّرت بمسّ سلاحه. وكأن هذا السلاح، الذي وُلد تحت شعار “الدفاع عن الوطن”، بات اليوم وسيلة ضغط داخلي، لا علاقة لها بالعدو الذي يخرق السيادة ويقصف الأراضي ويغتال من يشاء.
فهل تحوّل السلاح من وسيلة مقاومة إلى رمز سلطة؟ وهل باتت “الممانعة” موجهة للداخل فقط، بينما الخارج يُترك ليعبث كما يشاء؟ وهل أصبح الدفاع عن لبنان مهمة مؤجلة إلى إشعار غير معلوم، بينما الأولوية هي لحماية “الهيبة” الحزبية؟
اللبنانيون، الذين لم تخدعهم يوما معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، باتوا اليوم يتساءلون باسم اهالي الجنوب وباسم اهالي البقاع وباسم اهالي الضاحية: أين المقاومة؟ وأين الشعب؟ وهل يمكن أن يبقى للجيش اي دور في ظل سلاح لا يخضع لأي سلطة شرعي؟ وتحوّل عائقا امام قيام الدولة وقدرتها الفعلية على حماية السيادة؟
في زمن المفارقات، يبدو أن الدفاع عن لبنان لا يمر عبر الحدود، بل عبر البيانات النارية والتهديدات الداخلية. أما إسرائيل، فهي تتفرج على هذا المشهد، وتغتنم الفرصة لتصفية الحسابات، بينما “المقاومة” تراقب بصمت… وتحتفظ بحق الرد، ربما إلى إشعار غير معلوم.
لبنان لا يحتاج إلى سلاح لا يُستخدم إلا في الداخل، ولا إلى مقاومة لا تقاوم. ما يحتاجه هو موقف وطني جامع، يضع حدًا للعبث، ويُعيد الاعتبار للدولة كمظلة وحيدة لكل اللبنانيين.