"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

راغب جابر/ يعود سعد الحريري أو لا يعود... هذا ما ينتظره!

الرصد
الأربعاء، 7 فبراير 2024

راغب جابر/ يعود سعد الحريري أو لا يعود... هذا ما ينتظره!

انشغل اللبنانيون خلال الأسبوع الماضي بالأخبار عن عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان في مناسبة ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري التاسعة عشرة، وسط حملة ترويجية في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قادها ناشطون في تيار “المستقبل”، لعودة الرئيس المعتكف عن العمل السياسي إلى لبنان عودةً نهائية، ليملأ فراغاً في الساحة السياسية اللبنانية، وفي الساحة السنّية بشكل خاص.

بعيداً من الجو “العاطفي” الذي يرافق أخبار العودة، تُطرح أسئلة كثيرة عن حقيقة ما يُروّج وعمّا سيقوله الحريري، وهل هو عائد فعلاً إلى دوره السياسي، ام انّ زيارته ستكون صامتة كزيارة العام الماضي، عندما اكتفى بتلاوة الفاتحة على ضريح والده والتقى بعض الحلقة الضيّقة ثم غادر الى مقرّ عمله أو بالأحرى “منفاه” في الإمارات، حيث بدأ مسيرة عملية تعوّض ما خسره من مال على السياسة وأهلها في لبنان؟

الرجل لم يقل شيئاً حتى الآن، بل هو غائب كلياً عن السياسة المحلية والإقليمية وحتى عن الصراع الجاري في المنطقة، هو وتياره. هذا الغموض لا يوحي بأنّ شيئاً كبيراً سيحدث، وما يحصل يشبه ما حصل العام الماضي عندما تمّ التحضير للزيارة باستنهاض الهمم للنزول إلى ساحة الشهداء وتلاوة الفاتحة وإظهار الاحتضان الشعبي للرئيس الحريري.

لكن محبي الرئيس الحريري يمنون النفس بموقف مغاير، يأملون بأنّ تغييراً ما قد يكون قد حصل في علاقته بالمملكة العربية السعودية، يسمح بعودةٍ إلى السياسة اللبنانية التي علّق عمله وعمل تياره فيها قبل سنتين، وليس سراً انّ هذا الاعتكاف هو قرار سعودي اولاً.

يوحي الشعار المرفوع هذه السنة “انزلوا تا يرجع”، بأنّ المطلوب هو “الضغط” الشعبي من أجل عودة الحريري، ضغط على الحريري نفسه وضغط على كل المعنيين بعودته. الحملة تتوسل الجماهير لتسهيل العودة، ولهذا يتحرّك مَن ما زال عاملاً في التيار لتأمين زخم جماهيري مقنع يوم 14 شباط (فبراير)، وهذا أمر ليس محسوماً حجمه ولا يمكن التكهن بأعداده. لكن مقرّبين من قيادة التيار يؤكّدون انّ ما يرد من المناطق مطمئن إلى حجم المشاركة الشعبية وإلى حجم “الشوق” للرئيس الحريري.

بكل الأحوال، لم يسلّم الحريري سرّه لأحد بعد، هو الذي اكتوى بـ “خيانة” مقرّبين كثر أو عدم كفاءتهم. تعلّم الكتمان وعدم الثقة بأي كان. ليس سهلاً عليه بعد كل ما مرّ فيه من معاناة، من الخصوم ومن الحلفاء والأصدقاء، ان يعود إلى سيرته الأولى. لا بدّ ان يكون قد تغيّر والاّ لا معنى لعودته. سعد الحريري السابق انتهى وسعد الحريري الجديد لا أحد يعرفه بعد. ربما كان الغموض سرّه القوي.

لا يكفي أن يرحّب رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعودة الحريري، ولا أن يشتاق له نائب “التيار الوطني الحر” آلان عون، هذا كلام لا يقدّم ولا يؤخّر. السياسيون لا يشتاقون ولا يتعاملون بالعواطف. انّهم يريدون شركاء، وهناك حاجة اليوم لدى الجميع لشريك سنّي له حيثية شعبية، والحريري هو الوحيد الذي يملك هذه الحيثية، رغم كل ما أصابه وأصاب تياره من ضربات قاسية. لكن ليس بهذه السهولة يمكن ان تكون عودة الحريري مجدية له وللآخرين. الأمر بحاجة الى درس معمّق في واقع البلد والمنطقة والطائفة السنّية وتيار “المستقبل”.

إذا عاد الحريري سيجد أمامه تياراً مفكّكاً هجره الكثير من كوادره وعناصره، تيار بلا قيادة فعلية وبلا فاعلية اجتماعية وخدماتية، تيار كان يقدّم للناس وهو اليوم بحاجة إلى من يقدّم له، ومن يقدّم لا يقدّم مجاناً. إحدى مشاكل تيار “المستقبل” انّه عوّد الناس على أن ياخذوا لا أن يعطوا، وهذا يحتاج تغييراً كبيراً في نمط تفكير الناس ونظرتهم الى العمل الحزبي.

وسيجد طائفة موزعة الانتماء بينه وبين قوى أخرى وشخصيات قديمة وصاعدة. والأهم انّ بعض هذه الطائفة ذهب إلى المحور الآخر، إما عن قناعة واما لتأمين مصالحه لدى اطراف مؤثرة وفاعلة. سنّة كثر باتوا يذهبون الى عين التينة والى حارة حريك وحتى الى المختارة وميرنا الشالوحي.

سيكون الحريري امام تحدّ كبير وسؤال لا تبدو الإجابة عنه سهلة. ماذا عن حرب غزة وموقفه منها؟ بماذا سيجيب وهو لم يقل شيئاً مهمّاً هو وتياره بعد؟ انّه محكوم باعتبارات عدة، منها علاقاته الخليجية والدولية ومنها قناعاته الشخصية وإرث والده، ومنها موقف الطائفة السنّية في لبنان. فهذه الطائفة متضامنة مع غزة و”حماس”، وترفض ان يكون هناك من هو قريب من فلسطين وأهلها أكثر منها. ولا يتردّد كثير من أبنائها عن التعبير عن إعجابهم بحوثيي اليمن علناً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

تبدو نظرية انّ الحريري عائد لأنّ هناك اقتراباً للسلام في المنطقة هشة وغير مقنعة، فلا سلام قريباً في ظلّ كل هذا القتل والدمار. فمع كل الحروب السابقة كان هناك حديث عن تسويات وسلام، لكن ذلك لم يتحقّق أبداً. لعلّ في تجربة والده الذي راهن على السلام بعد مؤتمر مدريد درساً. لقد كانت اتفاقيات أوسلو سبباً لحروب متتالية على غزة وعلى لبنان ولم تأتِ بالسلام.

أخيراً، إذا كان لا بدّ من العودة فلا بدّ من ان تكون بمشروع، فهل يملك سعد الحريري مشروعاً وادوات لتنفيذه في ظلّ الفراغ القاتل في رئاسة الجمهورية والحكومة والإدارة وقيادات الصف الاول في مناصب الدولة. وهل عودته ستسهّل انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة يترأسها وتعيين كبار الموظفين؟

يعود إلى السياسة أو لا يعود… فلننتظر أسبوعاً.

النهار العربي

المقال السابق
مسيّرة أميركية تستهدف قياديًّا في "سلاح الجو" التابع لحزب الله العراقي

الرصد

مقالات ذات صلة

قراءة في ثلاثة كتب حول "نهاية الغرب": لا لن يموت الغرب

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية