السيناريو اللبناني نفذته إسرائيل في إيران. في لبنان، لم تبدأ إسرائيل حربها التي كانت منتظرة، الا بعد أن قضت على قياديي “حزب الله” وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. وفي إيران، إنقضت إسرائيل، في بداية حربها - وهي كانت منتظرة أيضا- على القيادات العسكرية العليا في البلاد، وقضت عليها في عملية واحدة. وفي الحالتين اللبنانية والإيرانية، اعتمدت اسرائيل “المناورة” و”الحيلة”، فكما كان نصرالله قد قُتل في أثناء وجود بنيامين نتنياهو في نيويورك للمشاركة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كذلك بدت الحال في إيران، فالإنقضاض على القيادات الإيرانية جاء وسط تحضيرات لعقد جولة جديدة من المفاوضات مع واشطن في مسقط، يوم الاحد الأمر الذي دفع الكثيرين الى الإعتقاد بأنّ التهويل المتصاعد بالحرب، ليس سوى سلاح دبلوماسي.إعتقاد انسحب على كثير من العواصم في العالم.
إذًا، بدأت الحرب الكبرى المنتظرة. طالما حاولت إيران أن تبقي حروبها مع إسرائيل بواسطة الوكلاء في لبنان وسوريا وغزة والعراق واليمن، على اعتبار، وفق فتوى المرشد علي الخامنئي، أنّ “الحرب على أرضنا إهانة وذل”، ولكنّ إسرائيل قررت، منذ السابع من اكتوبر 2023 تغيير المعادلة، فبدأت تستهدف القادة الايرانيين مباشرة، وافتتحت هذا المسار في دمشق، حيث قضت في قصف القنصلية الايرانية على قادة الحرس الثوري في بلاد الشام.
لم تنظر إسرائيل يوما الى “قوى المقاومة” على أنها كيانات قائمة بذاتها، بل اعتبرتها دائما، مجرد أذرع إيرانية، ولكنّها كانت بحاجة الى تجهيز الأجواء من أجل الإنقضاض على ما تصفه ب”رأس الأخطبوط”.
وأكسبت الولايات المتحدة الأميركية إسرائيل الوقت. أمنت لها الأجواء الإقليمية حتى تُنهك الأذرع، ومن ثم أدخلت إيران في مفاوضات، كان من الواضح أنها “تتذبذب”. طرحت إدارة ترامب على قيادة الخامنئي ما لم يكن بإمكانها القبول به، اي وقف عمليات التخصيب النووي بشكل كامل. وجاء تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليضع “الزيت على الزيتون”، بحيث اتهم إيران بالتهرب من الإفصاح عن برنامجها النووي.
وبعد ذلك، ذهبت إسرائيل الى الحرب، بضربة افتتاحية، أنهت فيها القيادة العسكرية العليا في إيران.
الهدف الإسرائيلي واضح، وهو يحظى بمباركة أميركية: ليس تدمير، في عمليات سوف تستمر أسبوعين على الأقل، البنية النووية الإيرانية فحسب، بل إطلاق الصفارة لبدء إسقاط النظام الايراني، أيضا.
المعارضة الإيرانية طالما شعرت بتآمر الخارج عليها لمصلحة النظام. هي هذه المرة، قد تطمئن الى تقاطع الاهداف بينها وبين المجتمع الدولي، في وقت أيقظت فيه إسرائيل كل خلاياها النائمة في إيران، وهي أكثر مما يتصوره العقل.
المخرج الذي يقدمه دونالد ترامب لعلي خامئني، بعد الضربة الاسرائيلية الإفتتاحية “مذل”. لتتجنب الحرب، يقول له، عليك أن تذهب الى المفاوضات مقدمًا التنازلات المطلوبة منك.
خامئني في هذه الحالة وفي هذا التوقيت بالذات، وهذا ما يعرفه ترامب ونتنياهو، لا يزال يفضل الموت مهزومًا على الموت مذلولا!