بودكاست يضوي على نقاط مهمة في هذه الافتتاحية(انقر/ي هنا)
قبل مقابلة “ذا ناشيونال”، وفي حوار مع تلفزيون “ال.بي.سي” من أحد قصور بيروت الخاصة، سئل المبعوث الاميركي توم براك عن المعلومات التي بثتها قناة اسرائيلية ، بالاستناد إلى مصادر سورية، تفيد بإلحاق طرابلس والبقاع بسوريا، فأجاب: “هذا خيال. هذا كرتون وصور متحركة”.
ولكن بعد ساعات قليلة، لم يعد براك متخوّفًا من سيطرة سوريا على طرابلس والبقاع فحسب بل على كل لبنان، ايضا!
هل هذا يعني ان توم براك يعاني من الارتباك المنطقي؟ او إنّه حين تكلم في التلفزيون اللبناني كان أقلّ اطلاعا على الواقع الحقيقي، ممّا أصبح عليه حين أعطى المقابلة للصحيفة الامارتية؟ أو إنّه، في المقابلة الاولى كان ينفي صحة ما جرى تصويره على أنّه معلومات وفي الثانية كان يقدم تحليلًا “ابوكاليبسيًا” خدمة لهدف محدد؟
إنّ السياق العام للكلام يمكن أن يقدم الجواب الواضح عمّا قاله براك.
في مقابلة أعطاها يوم الجمعة لصحيفة “آراب نيوز” السعودية ، أي في اليوم نفسه للمقابلة التي أعطاها ل”ذا ناشيونال” تحدث براك عن تشكيل البيت الأبيض لفريق عمل يواكب مفاوضات سرية تجري بين لبنان وإسرائيل، وملفها الجوهري هو نزع سلاح حزب الله الثقيل ووضعه في مكان يخضع لاشراف أميركي- اممي- لبناني-اسرائيلي!
وهذه المرة الاولى التي تكلم فيها براك عن مفاوضات بين لبنان واسرائيل.
ولكنّ المبعوث الاميركي يعرف صعوبة تقبل مجموعات لبنانية لهكذا مفاوضات، كما يتلمّس أنّ حزب الله سيرفض ما ينتج عنها لأسباب عدة بينها رفضه الحاد لنزع صواريخه ومسيَراته. ولهذا لم يكن أمامه، في محاولة لتجاوز الصعوبات هنا والعناد هناك، سوى أن يقدم تصوّرًا “ابوكاليبسيًّا” عمّا يمكن أن يحصل، في حال لم تثمر المساعي الدبلوماسية، نتائج إيجابية تنُهي عقدة ملف سلاح حزب الله!
والتصوّر “الابوكالبسي” لا ينبع من فراغ، ذلك أنّ هنالك بالفعل شرقًا أوسطًا مختلفًا وإسرائيل تريده جديدًا، وفق ما يلائم مصلحتها الاستراتيجية البعيدة المدى.
وليس سرًّا أنّ إسرائيل حملت إلى واشنطن تصوّرًا لإعادة تقسيم سوريا، على أسس عرقية وطائفية. حتى تاريخه لم تقتنع دوائر القرار الاميركية بهذا التصور، ولكن تملك إسرائيل القدرة على تسهيل كل ما هو معقد في واشنطن.
وبالفعل، تقدمت إسرائيل خطوة نوعية، بحيث لم تعد تقسيمات سايكس-بيكو “مقدسة”. توم براك نفسه بات يحمل السيف ضد ما كان قد انتهى اليه سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي.
وفي سوريا حيث اصبحت “هيئة تحرير الشام” هي الحاكمة، هناك توجه إسلامي واضح. في هذا التوجه، يعتبر لبنان جزءا من “بلاد الشام”. و”بلاد الشام” تسمية تعود إلى زمن “الفتح الإسلامي” ويعنى بها الجغرافيا التي تضم حاليا سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل ولواء الاسكندرون في تركيا.
واللافت للانتباه أنّ معاداة “حزب الله” بدأت، للمرة الأولى، تجمع كلا من إسرائيل وسوريا. الطرفان يريدان القضاء على هذا التنظيم الذي بات يعتبر من مخلفات “العصر الإيراني” في الشرق الأوسط.
وهناك قناعة تامة بأنّ “حزب الله” طالما بقي “على سلاحه” فلبنان سيبقى مأوى الخطر، لكل من سوريا وإسرائيل اللتين في إطار المفاوضات بينهما، وهي تسير بسرعة وتجري بكثافة، وتحظى بدعم دولي وعربي كبير، يمكن أن يتفاهما بسهولة ضد لبنان، وبذلك، وفي حال لم يتخلّ حزب الله عن سلاحه، يمكن الانقضاض عليه من سوريا وإسرائيل في آن، فتتقاسم الدولتان السيطرة عليه.
ولن يتمكن الجيش اللبناني، والحالة هذه من ضبط الفوضى الناجمة عن تواطؤ إسرائيلي-سوري محتمل على تقاسم السيطرة على لبنان،لأنّ الدول الخليجية التي يراجعها الاميركيون في موضوع مساعدة الجيش اللبناني لتحويله إلى جيش حديث ومحترف وقوي، لن تقدم على أي خطوة طالما سلاح حزب الله لا زال بيده!
وهكذا يظهر أنّ إمكان تفكك الكيان اللبناني، في شرق اوسط جديد، يصبح احتمالا قائمًا بقوة، في حال عجز لبنان عن تفكيك الجناح العسكري لحزب الله ونزع الأسلحة التي تشكل خطرًا على دول الجوار والسلام الإقليمي الجديد!
توم براك، ولو بأسلوب مرتبك، يخشى حصول ذلك. إدارته، من الواضح، أنها لن تتصدى لهذا السيناريو، لأنّ دولة تعجز عن ضبط فصيل فيها لا يمكنها ان تكون جزءا من شرق اوسط جديد تتم صياغته وفق ميزان قوة جديد!