حملتُ سؤالًا واحدًا الى أكثر من وزير في الحكومة اللبنانية علّني أقدم جوابًا مقنعًا عن ظاهرة “غريبة”!
الظاهرة “الغريبة” تتجسد في إقدام الجيش الإسرائيلي، بعد كل اجتماع تعقده اللجنة الخماسية المكلفة تنفيذ تفاهم وقف الاعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل (الميكانيزم)، على شن غارات عنيفة على البقاع والجنوب، تمامًا كما حصل يوم، أمس الخميس، بعد اجتماع عقدته الميكانيزم يوم اول من أمس، الأربعاء.
ولا تكتمل “الظاهرة الغريبة” هنا، بل تجد تتمتها الجوهرية في أنّ النتائج الميدانية، تأتي عكس الموعود لبنانيًّا، اذ تسبق اجتماع الميكانيزم وتلحقه معلومات تفيد بأنّ ممثلي قيادة الجيش الذين يجتمعون مع جنرالات اميركيين وفرنسيين وإسرائيليين و”يونيفيليين”، يحملون شكاوى لبنان من خرق إسرائيل المتمادي لتفاهم وقف الاعمال العدائية، ويصرون على معالجتها ووضع حد فوري لها!
السؤال الذي حملتُه إذًا، الى عدد من الوزراء في الحكومة الحالية، هو الآتي: ماذا يقول الجنرالات الاميركيون والفرنسيون حيال ما تفعله إسرائيل؟ وكيف يبرر ممثلو الجيش الإسرائيلي أفعالهم؟
الجواب الذي يمكن استخلاصه من تقاطع أجوبة الوزراء اللبنانيين يبدو معقدًا وبسيطًا في آن، وهذه خلاصته!
يفيد هؤلاء بأنّ الفهم الإسرائيلي، الذي يحظى بموافقة أميركية لتفاهم وقف الاعمال العدائية، مختلف تمامًا عن الفهم اللبناني المعلن. بالنسبة للاسرائيليين- وهم طرف في التفاهم- كما للأميركيين -وهم رعاة هذا التفاهم- تملك إسرائيل حق منع حزب الله من إعادة تجميع قواه، في حال عجزت الدولة اللبنانية عن ذلك، لأنّ التفاهم يقوم على معادلة نزع سلاح حزب الله أينما وجد وتفكيك بناه التحتية أينما كانت وتدمير منشآت صناعة الأسلحة أو تجميعها في أي بقعة من لبنان، والحيلولة دون عودة الحزب ليس الى الحافة الحدودية الامامية فحسب، بل الى أي منطقة يمكن ان تشكل خطرًا على سكان شمال إسرائيل، أيضًا.
ويضيف هؤلاء: المنطق الإسرائيلي- الأميركي يغطي ما يقدم عليه الجيش الإسرائيلي، طالما أنّه يستهدف ما لا يستهدفه الجيش اللبناني.
والجيش اللبناني أعلن عن احتواء سلاح حزب الله خارج جنوب نهر الليطاني، لكنه يمتنع، حتى انتهاء عمله في جنوب نهر الليطاني، عن المس بهذا السلاح. وهذا ما لن تقبل به لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية.
وفي كل اجتماع للميكانيزم، وعندما يتأكد الإسرائيليون والأميركيون من ثبات الجيش اللبناني على موقفه، يستهدف الجيش الإسرائيلي مواقع سبق ان أدرجها في “بنك الأهداف”أو لاحظ تحركات “محظورة” فيها!
ولكن، في هذه الحالة، لماذا يكون هناك استهداف لمنشآت مدنية؟
لأنّه، وفق الإسرائيليين، هذه منشآت يستخدمها حزب الله حتى يكون هو المتحكم بعودة السكان الموالين له وإعادة اعمار ما تهدم، وبالتالي، فهو من خلال العمل المدني، يعود الى حيث يفترض به إلغاء وجوده، ولا سيما بعدما بيّنت الحرب الأخيرة أنّ منصات صواريخ ومخازن أسلحة وطاقات أنفاق كانت موجودة كلها في الطوابق السفلية لمنازل المدنيين الموالين للحزب.
ووفق الإسرائيليين والأميركيين، فإنّ أيّ تحرك مدني، في جنوب لبنان، لا يكون متسقًا مع خطة واضحة وشفافة تضعها الحكومة اللبنانية لاعادة الاعمار، هو هدف عسكري.
في هذه الحالة، ماذا يفعل الفرنسيون؟
في المطلق يشاطرون الاميركيين والإسرائيليين تفسيرهم لتفاهم وقف العمليات العدائية، ولكنهم يضغطون لإعطاء المهلة الكافية للحكومة اللبنانية، حتى تعيد تجميع نفسها وقواها، بحيث تصبح قادرة على ترجمة نياتها الحسنة!
وبناء عليه، تعطي إسرائيل بضغط أميركي_فرنسي لبنان مهلة حتى بداية السنة الجديدة، لانجاز وعدها بنزع سلاح حزب الله، وإلّا فإنّها سوف تتحرك بقوة لحسم الوضع ولتفرض بنفسها ما تعجز عنه السلطة اللبنانية. لكن حينها سوف يتحسر لبنان كثيرًا على مكاسب القرار ١٧٠١!
ووفق اسرائيل، فإنّ هذا الوعيد هو جزء لا يتجزأ من ورقة الضمانات الأميركية التي تلقتها، قبل ان توافق حكومتها على تفاهم وقف العمليات العدائية!
في الخلاصة، يدو واضحًا أنّ إسرائيل تحظى بغطاء دولي في مساعيها لمنع “حزب الله” من إعادة تجميع قوته، وللحيلولة دون تمكينه من أن يكون له أي دور بإعادة اعمار الجنوب، ولضرب أي مساهمة له بتسهيل عودة السكان الى قرى الحافة الأمامية، مما يعني أنّ على الدولة اللبنانية، في مهلة أقصاها نهاية هذا العام، تقديم ما يكفي من أدلة بأنّها تملك القدرة على وضع خطة تثبت فيها نفوذها على حساب حزب شعاره رمي إسرائيل في البحر!