لنفترض أن “حزب الله” نجح في فرض إرادته، فاحتفظ بما لديه من أسلحة، وعزّز جناحه العسكري قدر الإمكان، ومنع السلطة اللبنانية من التقدّم نحو مفاوضات “منتجة” مع إسرائيل، كما تقترح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لنفترض حصول كل ذلك، فما النتيجة المتوقعة؟ من الواضح أن إسرائيل تتعامل مع لبنان على أساس أن الكلمة العليا فيه هي لـ”حزب الله”، لا لرئيس الجمهورية أو الحكومة. كما أن التواصل السياسي القائم بين السلطة اللبنانية والحزب لا يثني الأخير عن التمسك بسلاحه، وبالتالي عن رفضه التوصل إلى حل جذري بين لبنان وإسرائيل.
وليس الإسرائيليون وحدهم من يقرأون نوايا “حزب الله” من خلال مواقف المرشد الإيراني علي خامنئي، فالكثيرون يفعلون ذلك أيضًا.
ومن يدقق في مواقف خامنئي المتشددة تجاه الطروحات الأميركية لإيران، يجد صداها في مواقف “حزب الله” من الطروحات الأميركية للبنان. فالمقاربات متشابهة، والشعارات متطابقة، وكذلك الشروط.
ولم يكن “قانون الصدفة” وراء تزامن إعلان وزارة الخزانة الأميركية، الخميس الماضي، أن “فيلق القدس” قدّم في كانون الثاني مليار دولار أميركي للحزب، مع الضربات الإسرائيلية العنيفة على قرى عدة في جنوب لبنان، والتي استهدفت مواقع مستحدثة للحزب. بل إن ما يقف وراء ذلك هو “قانون الحرب” الذي يربط الحزب بإيران، ويجعله، مهما تدنت قدراته، خطرًا استراتيجيًا في نظر إسرائيل، لأن قراره لن يكون يومًا بيد الدولة اللبنانية.
الخطة التي وضعتها إسرائيل، والتي يبدو أنها تحظى بدعم كامل من الإدارة الأميركية، لم تعد غامضة. فكلما تأخر “حزب الله” في حل جناحه العسكري، أصبحت كل وحداته تحت رحمة الجيش الإسرائيلي. ولهذا يتم التركيز على استهداف قواه اللوجستية والإعمارية، والتي قد تمتد لاحقًا إلى قواه الأخرى، مما يعرضه لعملية “تصفية شاملة”.
وليس من باب العبث أن باحثًا يتابع ملف “حزب الله” عن كثب، رأى في نوعية أهداف إسرائيل الجديدة في جنوب لبنان قرارًا بضرب مفاتيحه الانتخابية في البلدات والقرى الجنوبية، إذ إن المسؤولين اللوجستيين والمعماريين يشكلون محركًا مجتمعيًا بالغ الأهمية.
إذًا، كلما “عاند” الحزب في موضوع جناحه العسكري، تعرّض جناحه السياسي للتآكل. وكلما تمكن من تمرير أموال من إيران، تكبّد خسائر بحجمها. وكلما نجح في تهريب أسلحة جديدة، خسر الكثير من أسلحته القديمة.
ولا تقتصر المعلومات التي تجمعها إسرائيل على المراقبة الجوية والإلكترونية النشطة على مدار الساعة، بل تتعداها إلى بيئة “حزب الله”، حيث يتم استغلال موارد بشرية هائلة، سواء عبر عملاء محترفين تتزايد أعدادهم، أو من خلال تحليل المعطيات المتوافرة من مصادر مفتوحة باستخدام برامج متقدمة جدًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بحيث يتحول أشد الموالين للحزب إلى أهم مصادر كشف أسراره.
وفي حال استمر الحزب في الامتناع عن الرد على الاستهدافات الإسرائيلية، فلن تكون هناك حرب بالشكل التقليدي، بل ستبقى حربًا على “حزب الله”، إلى أن يسلّم بسلطة الدولة الكاملة القادرة على عقد اتفاق طويل الأمد مع إسرائيل.
وهذا السلوك له ارتدادات إيجابية على الحكومة الإسرائيلية عمومًا، وعلى رئيسها بنيامين نتنياهو الذي سيخوض انتخابات “على المنخار” في حزيران المقبل، إذ يشعر سكان إسرائيل بالارتياح لمنع “حزب الله” من ترميم قدراته، ومن إقامة منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان.
وعلى خلاف الوضع في غزة، فإن العالمين العربي والإسلامي لا يكترثان كثيرًا لما يتعرض له “حزب الله”، إذ هناك شبه إجماع دولي على وجوب أن يعود لبنان دولة طبيعية، لا أن يبقى ملاذًا لتنظيم عسكري يعمل استراتيجيًا لمصلحة “فيلق القدس” الإيراني.