يُرجح أن يُبقي المسؤولون اللبنانيون حقيقة الواقع المضطرب مع إسرائيل “طي الكتمان”. لا مصلحة لديهم، على الأرجح، في مكاشفة الرأي العام بما يحصل في كواليس الاتصالات مع المجتمع الدولي عموما ومع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصا.
في الوقائع المتوافرة من أكثر من مصدر لبناني ودبلوماسي أنّ إسرائيل أوصلت الى المسؤولين اللبنانيين عبر قنوات التواصل القائمة معهم رسالة واضحة مفادها: نحن نريد أن نُغلق صفحة “حزب الله” في موعد أقصاه بداية الصيف المقبل. لدينا مجموعة أهداف يجب تصفيتها، قبل حلول موسم الاصطياف، ولا يمكننا أن نقبل بأن يكون “حزب الله” في هذا التاريخ “على سلاحه الثقيل والمتوسط”. وما يسري على “حزب الله” يسري على التنظيمات اللبنانية والفلسطينية الحليفة له. وجيشنا سوف يكثف عملياته، في هذه المرحلة، بحيث يتخلّص بقوة النار ما لا يمكن أن تتخلصوا منه أنتم بقوتكم السياسية!
في المقابل، يضغط “حزب الله” على السلطة اللبنانية، حتى تسير بنهجه القائم على وجوب تقطيع هذه المرحلة بأقل “خسائر” ممكنة، بحيث تقبل بأن يُخفي “حزب الله” سلاحه ويحمي بناه العسكرية التحتية، في انتظار أن تتغيّر المعادلة في إسرائيل، سواء بسقوط بنيامين نتنياهو وحكومته أو حصول توتر في العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية. و”حزب الله” في “مرحلة الانتظار” هذه يستطيع استيعاب الضربات الإسرائيلية، خصوصا إذا أقيم تنسيق بينه وبين الجيش اللبناني، بحيث يطلع مسبقا على الأهداف التي قد تعمد إسرائيل الى قصفها والإغارة عليها. اليونيفيل، في جنوب لبنان، لا تريد أن تُثير مشكلة كبيرة مع “حزب الله”، ولكنها باتت مدركة، بالرسائل التي أوصلها لها الحزب عبر ما يسمّى بالأهالي الذين يعترضون طريق دورياتها متى كانت غير مصحوبة من الجيش اللبناني، ، بهذا الأمر.
وفق المعطيات المتوافرة، ترفض السلطة اللبنانية طرح “حزب الله” وتعتبره خطرًا للغاية لأنّه من جهة أولى، يستجر حربًا على لبنان ويقوّض، من جهة ثانية، أكثر فأكثر سمعة الدولة السيادية ويجعلها، من جهة ثالثة، في عيون المجتمع الدولي “ماكرة” و”غير مصداقة”.
وتحاول السلطة اللبنانية في الوقت الفاصل بين رضوخ “حزب الله” ل “تفاهم وقف الأعمال العدائية” الذي تشمل بنوده سحب سلاح الحزب من كل لبنان “بدءًا بجنوب نهر الليطاني” وبين حلول “المهلة الإسرائيلية” أن تصفي ملفات على ارتباط بملف “حزب الله” بحيث تضع حدًا نهائيا لتحرك “حركة حماس” العسكري في لبنان، الأمر الذي بدأ بملاحقة مطلقي الصواريخ على شمال إسرائيل في وقت لاحق، ويفترض أن يُستكمل ينزع الأسلحة من الفرع اللبناني للحركة. ونجحت السلطة اللبنانية، حتى تاريخه، في استيعاب اعتراض “حزب الله” على هذا المسار الذي يكرّس، بصورة نهائية، إسقاط “وحدة الجبهات” الذي نظّر لها وأسسها ورعاها الحزب بتوجيه قيادي من “الحرس الثوري الإيراني” الذي لا تزال له الكلمة العليا في الحزب.
وتقف الإدارة الأميركية بقوة، في اتصالاتها مع السلطات اللبنانية، ضد “شراء الوقت”، وهي تضغط على الجميع، من خلال ربط تدخلها لوقف العمليات العدائية الإسرائيلية وسحب ما تبقى من احتلال وتوفير الأموال لإعادة الإعمار، بالوصول الى نقطة تتلاقي فيها الأهداف “الإيجابية” بين لبنان وإسرائيل.
وقد تكون دولة الإمارات العربية المتحدة التي خطت خطوة إيجابية نحو السلطات اللبنانية، برفع حظر سفر رعاياها الى لبنان وتخفيف قيود منح سمات الدخول للبنانيين الراغبين بزيارتها أو العمل فيها، قد ضمّت لبنان إلى جهودها المبذولة على المسار السوري- الإسرائيلي، من أجل إيجاد أرضية ل”بناء الثقة” بين الطرفين.
لا يوجد من يؤكد هذا المنحى الإماراتي، بصورة رسمية، بعد، ولكنّ الإشارات المتراكمة تشير الى ذلك، إذ إنّ سماح أبو ظبي لمواطنيها بالسفر الى لبنان يستحيل أن يأتي عاطفيا، بل يفترض أن يرتبط بتوافر الأمن والأمان، سواء داخليا أو إقليميا.
عمليا، تتعاطى إسرائيل، بنظرة واحدة، إلى “الجبهة الشمالية” التي تمتد من لبنان الى سوريا، وما يمكن أن ينسحب على واقعها في هذه الدولة يفترض أن ينسحب، أيضا على وضعيتها في تلك الدولة.
ويتكامل احتلال إسرائيل لمرتفعات جبل حرمون في سوريا مع احتلالها للتلال الخمس في جنوب لبنان، إذ تشكل كلها بعدًا استراتيجيً واحدًا، كما أنّ ما ينطبق على استهداف الأسلحة في سوريا، خشية من أن تقع في أيدي مجموعات معادية لها، في ظل هشاشة النظام الجديد فيها، ينطبق أيضا على لبنان، حيث تنظر إسرائيل الى السلطة الجديدة في لبنان، على أساس أنّها “هشّة” أمام “حزب الله”، وبالتالي، فهو عندما يستعيد تجميع نفسه، قادرا على الإنقلاب عليها، وإعادة عقارب الساعة الى ما كانت عليه، قبل وقف عملية “سهام الشمال”.
إذًا، وفي ظل العمليات العدائية الإسرائيلية التي تتواصل في كل من لبنان وسوريا، وتحت التهديد بإعادة كوارث الحرب التي أعلن رئيسا البلدين جوزاف عون وأحمد الشرع، رفضهما لها، تتحرك الوساطات من أجل “بناء الثقة” مع إسرائيل، على قاعدة احترام الإتفاقيات والقرارات الدولية.