انتهى الإبهام. إسرائيل أسقطت، من دون أن يرف لها جفن، تفاهم وقف العمليات العدائية مع لبنان، المعلن عنه في السادس والعشرين من تشرين الثاني الماضي. وفي هذا المنحى، تناصر إدارة الرئيس دونالد ترامب حكومة بنيامين نتيناهو عموما ومؤسسة الدفاع الإسرائيلية خصوصاً.
حوّلت تل ابيب بالتفاهم مع واشنطن ما سمي باتفاق وقف إطلاق النار إلى عملية هدفها إنهاء الجناح العسكري ل”حزب الله” وتفكيك بنيته ومنعه من إعادة تسليح نفسه. واعتبرت أنّ هذه “مهمة تزاحمية” بين الدولة اللبنانية والجيش الإسرائيلي الذي يتولى إنجاز ما ترفض الأولى القيام به أو تمتنع أو تعجز!
ويعرف الجميع أنّ إسرائيل، حتى لو كانت مزاعمها عن وجود إنشاءات خاصة ب بناء المسيّرات تحت أبنية الضاحية الجنوبية السكنية، صحيحة، فإنّ اختيارها توقيت بدء عطلة عيد الأضحى لاستهدافها، هي سياسية بامتياز. ولم يتأخر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على توضيحها عندما خاطب “سيدي الرئيس جوزاف عون” قائلًا له إنّ لبنان لن ينعم بالأمان والاستقرار في حال بقي شمال إسرائيل تحت تهديد ترسانة الأسلحة التي يملكها حزب الله ولم يتم نزعها.
في هذه الحالة، ماذا سيفعل لبنان؟
من الواضح أنّ الدولة اللبنانية، على الرغم من إصرارها، لم تستطع بعد إيجاد حل لسلاح “حزب الله”، وسط رفض الحزب المبادرة إلى سحبه خارج لبنان أو تسليمه للجيش اللبناني. وفي الأسابيع الماضية، صعّد “حزب الله” ضد كل من يسعى إلى سحب سلاحه، وكان رئيس الحكومة نوّاف سلام هدفه الأبرز مع وزير الخارجية يوسف رجي. ويشترط الحزب قبل بدء أي بحث حول السلاح في إطار حفظ دوره في “الدفاع عن لبنان” ان تتحقق سلسلة عناوين “مستحيلة” في الظرف الراهن:انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها، تحرير الاسرى اللبنانيّين لديها، وإعادة إعمار ما هدمته الحرب!
وبدا هذا الموضوع كما لو كان خلافا على جنس الملائكة او صراعا على أسبقية الوجود بين البيضة والدجاجة.
المجتمع الدولي لن يضغط في اتجاه ما يطالب به “حزب الله” من دون أن تفرض الدولة اللبنانية سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية وتحصر السلاح بقواتها المسلحة!
في ظل هذه الدوامة، سوف تصعّد إسرائيل استهدافاتها، غير آبهة بأي اعتراض يصدر من لبنان. حجتها ضد الادبيات الرسمية اللبنانية جاهزة.
ولا تأبه إسرائيل برد الفعل اللبناني الرسمي، فميزان القوة المختل جعل رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون يعلن في وقت مبكر من انطلاق ولايته الرئاسية: لا نريد أن نسمع بالحرب، ومشاكلنا مع إسرائيل سوف نحلّها بالدبلوماسية النشطة!
في موازاة هذا التأكيد الرئاسي، تُطرح الأسئلة حول العدة التي يملكها “حزب الله” للمواجهة، فيتضح أنّه فقد القدرة على المبادرة، فهو لم يعد يملك سوى “الصبر”، تاركًا بيئته بين الركام المتضاعف والنزوح المستدام والخسائر المتراكمة، محاولًا رفع المسؤولية عن عاتقه ليُلقيها على كاهل الدولة الفقيرة، المفلسفة، وغير المسموعة كلمتها!
الحل الذي ابتدعته عبقرية الأمين العام ل”حزب الله” نعيم قاسم، قبل أسابيع، تمثل في دعوة الجميع إلى انتظار انقلاب المعايير داخل إسرائيل، على اعتبار أنّ “زيتات” رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو “قربو يخلصو”، في تعبير مباشر عن وشوك نهاية نتنياهو، سواء بالقتل او بالسياسة!
ولم يشذ الشيخ قاسم في ترقباته لنهج “إسرائيل ما بعد السابع من أكتوبر” عن ترقبات اسلافه، خلال حرب المساندة. ينطلق قادة الحزب بقدمائهم وجددهم من معادلات ما قبل السابع من أكتوبر ٢٠٢٣. يتجاهلون أنّ إسرائيل تنسب ما قامت به “حماس” في غلاف غزة، إلى الحزب الذي كان يحضر لمثله ضد الجليل. وهذا يعني ان سياسة نتنياهو هي بالنتيجة سياسة الجيش الإسرائيلي الذي غيّر بفعل هجوم جنوب إسرائيل عقيدته في شمال إسرائيل!
كل هذا يفيد، بالمحصلة، أنّ لبنان لا يمكنه انتظار الفرج، وهو يدير في ظل الأمان والاستقرار والاستثمار، مشاكله مع إسرائيل بهذا النهج، بل عليه في حال لم يعِد إنتاج نفسه، أن يعتاد على رؤية الكوارث تتراكم والمآسي تتضاعف!