رويدًا رويدًا، يعود لبنان الى حالة مقلقة من انعدام الاكتراث العربي والدولي. حالة سبق أن عانى لبنان من تداعياتها، لسنوات، وظنّ كثيرون أنّها انتهت الى غير رجعة مع وصول العماد جوزاف عون الى رئاسة الجمهورية.
لا يقتصر الأمر على تراجع كبير في اهتمام المملكة العربية السعودية بلبنان، بعد حماسة كبيرة، ولا على شبه إهمال أميركي لبلد متروك لمبعوثين ثانويين في هرم القيادة الأميركية، بل يتعداه إلى فرنسا، هذه الدولة التي سبق لها ان اعتنت بلبنان، بطريقة استثنائية، حتى يوم كان الجميع يغلقون أبوابهم في وجه “بلاد الأرز”!
وبات معلومًا أنّ تراجع الحماسة الفرنسية عن عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، كانت تعمل على انعقاده، يتراف ق مع نصائح وردتها من حلفائها الغربيين والعرب، بوجوب التريّث حتى يتأكد الجميع من أنّ النيات الطيبة التي يعبّر عنها قادة لبنان الجدد، سوف تجد طرقها إلى التنفيذ!
وبعد انفتاح كبير على السلطة اللبنانية عموما وعلى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، انضبطت الأمور حاليا على “تبريد” العواطف!
ما سبب ذلك؟
لو تركنا المعلومات غير المؤكدة بعد تقدم الجواب، لكان الحديث عن خيبة الأمل من فاعلية القيادة اللبنانية الجديدة، هو العمود الفقري للإجابة عن هذا السؤال.
البعض بات ينسب إلى مسؤولين اميركيين كلامًا عن شعور بالإحباط من قيادة الرئيس عون لموضوع بسط سلطة الدولة بقواها الذاتية حصرا على كامل التراب اللبناني.
لكنّ هذه المعلومات التي تضج بها الكواليس السياسية لا تجد بعد، ما يعزز صدقيتها، باستثناء التراجع الحاد بالاهتمام، بحيث بدا واضحًا أنّ واشنطن التي تترك لإسرائيل حرية الحركة العدوانية في لبنان، تمتنع عن التدخل في حل أيّ من العوائق التي تحول دون التنفيذ الكامل للقرار ١٧٠١، في ظل ثباتها عند مبدأ سبق ان أبلغته إلى المسؤولين اللبنانيين: تعرفون شروطنا للشراكة، وإلّا تدبروا أموركم!
ووفق مصادر دبلوماسية عربية، لا يختلف الحال لدى القيادة السعودية التي أبلغت المسؤولين اللبنانيين، في وقت مبكر جدًا، بأنّها لم تعد تقبل بكلام علني يتناقض مع الكلام في الاجتماعات المغلقة، وبالتالي عليهم ان يقولوا في العلن ما يقولونه في السر، وأن يتحركوا في اتجاه تنفيذ تعهداتهم الواضحة بزخم، ذلك أنّ لبنان سوف يدفع ثمن التسويف وليس المملكة العربية السعودية أو غيرها!
ولم تكن عابرة “لطشة” رئيس مجلس النواب نبيه برّي لرئيس الحكومة نوّاف سلام، حين تحدث بوضوح عن سحب سلاح “حزب الله” ونهاية زمن تصدير الثورة الإيرانية وأنّ التطبيع مع إسرائيل هو مكوّن من مكوّنات السلام الذي “نريده غدا وليس أبعد”، اذ قال بري، تعليقًا على ذلك، في سياق دخوله في صلب حملة تستهدف بالتخوين رئيس حكومة لبنان، إنّ قصد سلام هو التطبيع مع الدول العربية.
كلام برّي يفيد بأنّ نوّاف سلام بمواقفه يريد إرضاء الدول العربية.
وهذا يعني أنّ برّي يعرف تمام المعرفة أنّ شرط التفاعل العربي مع لبنان، هو تنفيذ ما يعلنه رئيس الحكومة اللبنانية!
ولن تكون محاولات “تطويق” رئيس الحكومة من شريكيه في رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، في مصلحة استعادة “الحماس” السعودي تجاه لبنان، لأنّ ذلك يضرب اتفاق الطائف من جهة أولى وينقض على مواقف سلام “السيادية”.
وليس عابرًا، والحالة هذه، أنّه، في وقت “تبرد” فيه “العواطف” تجاه لبنان، تشهد “تأجيجًا” استثنائيًا تجاه سوريا. ميزة سوريا، حاليًا، ليست في الجغرافيا والديموغرافيا، بل في إيحاء رئيسها الانتقالي أحمد الشرع بأنًه صاحب السلطة ومتحرر من الارتباطات “الخانقة” وكلمته كلمة!