النهج البابوي الهادئ في التعاطي مع لبنان حيال مشكلته الراهنة مع إسرائيل، لم ينجح في إبعاد هاجس الحرب عن وجدان اللبنانيين الذين بدوا، وهم يحتفون بالبابا لاوون الرابع عشر، يركزون اهتمامهم على المعلومات التي ترد إليهم حول حرب إسرائيلية وشيكة يعتقد كثيرون أنّ زمنها سيتلاقى مع بداية العام الجديد، اذ ان مهلة حصر السلاح بيد الدولة تنتهي مع نهاية العام الجاري. وهي مهلة سبق ان تعهد بها لبنان في قرار أصدره مجلس الوزراء في الخامس من آب/ أغسطس الماضي، قبل ان يتراجع كبار المسؤولون عنها تدريجيا ويحولونها من عملية حصر للسلاح بيد الدولة الى مجرد محاولة لاحتواء السالح من خلال الدولة، بحيث يبقي حزب الله على ملكيته لها، في شمال نهر الليطاني، ولكن على قاعدة منعه من نقلها من مكان الى آخر، ومن نقطة الى أخرى.
ولهذا يعتقد كثيرون أنّ لبنان سيعود الى وضعية التأزم بمجرد انتهاء زيارة البابا لاون الرابع عشر، خصوصا أنّ إسرائيل تستغل هذه الفترة لتعزيز سردية الحرب، بحيث لا يغيب مسؤول واحد فيها، ولو ليوم واحد فقط، عن عملية منهجية للتحذير من الآتي.
وبعد هجوم اعلامي شنه الجيش الإسرائيلي على اليونيفيل واتهامها بأنها تتجسس لمصلحة حزب الله، في استباق لجولة سيقوم بها سفراء دول مجلس الامن الدولي في جنوب سوريا ولبنان، قدم معهد ” ألما” للدراسات، وهو مركز إسرائيلي يعنى بشمال الدولة العبرية، دراسة ” سلبية” عن الجيش اللبناني انتهت الى ان المؤسسة العسكرية اللبنانية أعجز من ان تتمكن من نزع سلاح حزب الله!
ويمكن عطف هذين التقريرين على تأكيدات إسرائيلية تفيد بأنّ شن عملية واسعة ضد حزب الله أصبح حتميا، والسؤال الوحيد المطروح في هذا السياق هو عن التوقيت الأنسب.
وتحاول الولايات المتحدة الأميركية، من حلال الضغط على لبنان لنزع سلاح حزب الله، تجنب تجدد الحرب التي تعتبر أنها، في نهاية المطاف وفي حال لم يحقق لبنان ما تقدمه له من مطالب، مسألة حتمية!
وباتت ملانح العملية العسكرية الإسرائيلية المقبلة واضحة المعالم. الخطة الموضوعة ستشمل الآتي:
اوّلا، هجوم جوي مركز على المخيمات الفلسطينية، وتحديدا على مواقع تستخدمها حماس والجهاد الإسلامي وتنظيمات أخرى موالية لحزب الله وإيران، ولا تنتهي الا بقرار يفضي الى تنفيذ تعهد لبنان بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية. وعجزت الحكومة اللبنانية، على الرغم من اتفاقها مع السلطة الفلسطينية، عن استكمال عملية نزع سلاح المخيمات، بعدما رفضت التنظيمات الحليفة لحزب الله ذلك.
ثانيا، تنفيذ انزالات في مواقع محددة في البقاع من اجل نسف أنفاق خاصة بالصواريخ والمسيرات التي لا يزال حزب الله يحتفظ بها. وتشير المعلومات الى ان الطيران الإسرائيلي نجح بسد مداخل هذه الانفاق ومنع التصرف بمحتوياتها، ولكنه عجز عن تدميرها.
ثالثا، توسيع المنطقة العازلة، بحيث تشمل، في حال حصول العملية، الخط الحدودي الثاني، وصولا الى تدمير ممنهج يصل الى عمق أربعين كيلومترا.
رابعا، تضخيم خسائر حزب الله، بحيث تتجاوز كلفتها عشرة اضعاف على الأقل، ما يمكن للحزب توفيره من تمويل على مدى عشر سنوات مقبلة، الأمر الذي يحول، مهما اختلفت لاحقا الأوضاع، دون تمكين الحزب من إعادة تأهيل قدراته التنظيمية والمالية والاجتماعية وحتى السياسية.
خامسا، إيجاد هوة استراتيجية لمصلحة الدولة اللبنانية، لأن التوازن الحالي بينها وبين حزب الله يحول دون تمكين مؤسسات الدولة من فرض سلطتها على كامل الجغرافيا اللبنانية، اذ تخشى على نفسها من قدرات حزب الله الحالية!
وتفيد كل التقارير بأنّ شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري سيخصص لاقناع الدولة اللبنانية وحزب الله من خلالها بتجنب خوض غمار حرب مكلفة للغاية من شأنها أن تدخل تغييرات جذرية ليس على المعادلات اللبنانية فحسب، بل على طبيعة تكوينه السياسي أيضا!