ايران في ورطة وسلاحها في لبنان أيضًا!
تحاول الجمهورية الإسلامية أن توحي بأنّها لا تزال تمسك بأوراق القوة في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز، لكنّها، وفق جميع العارفين، ليست كذلك، فأوراقها تتناثر في خريف جيو-سياسي غير مسبوق!
في جنوب القوقاز، يتم إحكام الحصار على ايران، من خلال سيطرة الولايات المتحدة الأميركية ومعها الحلفاء في تلك المنطقة على ممر “زنغزور”، الذي كانت تستعين به طهران، بواسطة يريفان، لتتخلص من العقوبات، ولكن اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان خلق واقعًا جديدًا من شأنه قطع الاوكسيجين عن ايران، اذ إنّ الطريق الذي يوصلها بأوروبا على وشك الانقطاع!
تسعى طهران للانقلاب على هذا الواقع الجديد الخطر في جنوب القوقاز مستعينة بروسيا، ودافعة ارمينيا الى التمرد، بعدما كان الجميع قد تركها في “ناغورني كاراباخ”، ولكن المصالح الاستراتيجية لزعيم الكرملين فلاديمير بوتين تدفعه إلى تفضيل تركيا، صاحبة المصلحة في المسار الجديد، على ايران، بالنظر إلى حاجة موسكو إلى انقرة في أمور كثيرة، من بينها “انابيب النفط”، وحرية الحركة في البحر الأسود، وتضاؤل حاجة الجيش الروسي إلى المسيّرات الإيرانية بعدما بدأ تطويرها وصناعة ما يكفي منها بنفسه!
وتدرك القيادة الإيرانية أنّ هذا الانقلاب الحاصل عليها في جنوب القوقاز، تقف وراءه، بشكل كامل الإدارة الأميركية، وهي سرعت إجراءاته، بالتزامن مع ضرب مدمرات “ب-٢ سبيريت” لمقراتها النووية، كما تدرك مصلحة إسرائيل في كل ذلك، وهي المتحالفة مع أذربيجان!
وقد جددت إسرائيل، على خلفية أنّ مخزون اليورانيوم المخصب لا يزال “سليما” تهديدها بخطط حرب على ايران، فيما عاود بنيامين نتنياهو التحريض لإسقاط “نظام المالي”!
وبناء على هذه الورطة الكبيرة التي تواجه القيادة الإيرانية، تحاول طهران أن تعبث بملفين تعتبرانهما “غاليين على قلب الإدارة الأميركية”: لبنان والعراق!
في كلتا هاتين الدولتين، حيث تقهقر النفوذ الإيراني، بفعل الضربات القاسية التي أعقبت “طوفان الأقصى”، مساع حثيثة، برعاية أميركية، لتفعيل مبدأ حصر السلاح بيد الدولة!
في العراق، تستعين طهران بالتنظيمات المسلحة الموالية لها ضمن “الحشد الشعبي” لمنع سحب السلاح من التنظيمات وحصره بالدولة. ويلعب “حزب الله” العراقي دورا رائدًا في تجسيد الإرادة الإيرانية، لكنّ هذه التعقيدات الإيرانية تتم مواجهتها بقوة، لأنّ تداعيات “التفلت الميليشياوي” على العراق لن تكون بسيطة، بعدما ثبت بأنّ هذا التفلت “يخربط” مشاريع الحكومة، ويسيء إلى علاقاتها مع المكونات العراقية كما مع المجتمع الدولي، وينعكس سلبا على خطط النهوض الاقتصادي!
وفي لبنان، تعمل القيادة الإيرانية على الحيلولة دون سحب سلاح “حزب الله”. تقدم طهران حججا كثيرة لإصرارها على استمرارية هذا السلاح الذي كبدها مليارات الدولارات، ولكنها حجج تجافي الوقائع، لأنّ فاعلية هذا السلاح في مواجهة إسرائيل انعدمت، وباتت محصورة في إحداث اضطرابات داخل لبنان الذي تريده الإدارة الأميركية، لأسباب استراتيجية، هادئا ومستقرا ومعافى!
ولكنّ المساعي الإيرانية لن تُفلح، فهي لن تقبض ثمن إزالة العراقيل التي تضعها، لأنّها أصبحت أضعف من تحريك الأوراق، فهي فقيرة، من جهة اولى وفي خطر الحرب المباشرة، من جهة ثانية وتف تقد إلى العملات النادرة، من جهة ثالثة، وطرق التهريب التي تعتمدها، تغلق الواحد تلو الآخر، من جهة رابعة!
في هذا الوقت، لن يستطيع “حزب الله”، ولو أوحى بقدرته على ذلك، تقديم أوراق اعتماد لإيران، فعرقلته تنفيذ قرار سحب سلاحه، ستجر عليه وعلى بيئته، الويلات قبل أي أحد آخر. الحكومة اللبنانية بتمسّكها بقرارها وإصرارها عليه، فصلت نفسها عن “المقاومة الإسلامية في ايران” وحوّلتها إلى “ميليشيا متمردة”، وبالتالي سقطت كليا من حماية الدولة من جهة ومن حماية القانون، من جهة أخرى، وباتت عرضة لحرب مفتوحة من شأنها ان تراكم الويلات على البيئة الشيعية الحاضنة، بعدما تناثرت الجبهة القوية التي كان الحزب يعتمدها كغطاء وطني لسلاح ايران عنده!
وبناء عليه، إذا كان حزب الله في ورطة التمرد وتكاليفه، فإنّ ايران في الف ورطة وورطة!