لمتابعة هذه الافتتاحية بالصوت والصورة، يرجى النقر هنا
لبنان أمام لحظة مفصلية لا تحتمل التأجيل أو المواربة. فالأزمة لم تعد سياسية أو أمنية بالمعنى التقليدي، بل تحوّلت إلى انهيار شامل يضرب أسس الدولة: من السيادة إلى المؤسسة العسكرية، ومن المالية العامة إلى البنية التحتية.
هذا الانهيار، وإن بدا حتى الآن محصورًا بالبعد العسكري السيادي، إلا أنه يهدد بالارتداد على الأمن الوطني، في ظل غياب أي قدرة فعلية على احتواء التداعيات.
في خضم هذا المشهد، تتوالى تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان، توم براك، لتُنهي الغموض الدبلوماسي. فقد دعا الرئيس اللبناني جوزاف عون، وهو الجهة الدستورية المخوّلة بالتفاوض، إلى الاتصال المباشر برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطوة وصفها بأنها ضرورية “للتخلص من هذه المزبلة”، في إشارة إلى الوضع المتردي الذي يعيشه لبنان.
ورغم أن العبارة جاءت بلغة صادمة، إلا أنها تعكس حقيقة واحدة: العالم لم يعد مستعدًا لتحمّل عبء الانهيار اللبناني، ولا استمرار حالة اللاقرار.
لكن الأخطر من كل ذلك، أن لبنان ليس مهددًا بالجمود الكارثي، بل بتجدد مآسي الحرب. فإسرائيل، في الأيام الأخيرة، تدق طبول المواجهة بشكل غير مسبوق، وتُعدّ العدة لعملية عسكرية واسعة النطاق، هدفها المعلن: إضعاف حزب الله بشكل جذري، ودفعه إلى الاستسلام، في ظل عجز الدولة اللبنانية عن فرض أي مسار داخلي لنزع سلاحه.
في هذا السياق، تبرز المفاوضات المباشرة كـ ا لبديل الوحيد المعروض على لبنان لتفادي الحرب.
يمكن متابعة هذه الافتتاحية بالفيديو، بالنقر هنا
خيار صعب، نعم، لكنه الوحيد المطروح على الطاولة. فإما أن يختار لبنان الدخول في مسار تفاوضي مباشر، بقيادة رئيسه الدستوري، أو أن يواجه حربًا قد تكون الأشد فتكًا في تاريخه الحديث، في ظل انهيار شامل لا يترك له أي قدرة على الصمود.
في ظل هذا الواقع، يصبح السؤال المركزي: هل يملك لبنان قراره السيادي؟ فالرئيس، وإن كان دستوريًا المخوّل بالتفاوض، لا يتحرك في فراغ، بل في ظل توازنات داخلية معقّدة، أبرزها وجود حزب الله كلاعب عسكري وسياسي لا يمكن تجاوزه. وفي المقابل، إسرائيل لا تُخفي نواياها، وتُعدّ لحرب تهدف إلى تغيير قواعد الاشتباك بشكل جذري، مستفيدة من الانهيار اللبناني لتوجيه ضربة قاصمة للحزب.
البديل الوحيد المطروح — المفاوضات المباشرة — ليس خيارًا سهلًا، بل هو اختبار للجرأة السياسية، ولقدرة الدولة اللبنانية على إعادة الإمساك بزمام المبادرة. لكن هذا الخيار، رغم صعوبته، يبقى أقل كلفة من حرب مفتوحة قد تُغرق لبنان في فوضى لا خروج منها.
في الأيام المقبلة، سيتحدد المسار: هل يختار لبنان المواجه ة، ويترك مصيره رهينة موازين القوى الإقليمية؟ أم يجرؤ على كسر المحرّمات، ويفتح باب التفاوض المباشر، ولو من موقع الضعف، لإنقاذ ما تبقى من الدولة؟
هذه الافتتاحية في بودكاست. يرجى النقر هنا