التحديات التي أخذها الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع على عاتقه، ومهدت لانفتاح أميركي بعد الإنفتاح الفرنسي، عليه ليست بسيطة على الإطلاق، بل تشكل مغامرة خطرة للغاية، الأمر الذي وقف وراء إطراء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكبير له، كما وراء مواجهة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بفتح أبواب قصر الإليزيه أمامه، لانتقادات لاذعة وجهها اليه اليمينان الفرنسيان، بشقيه “المعتدل” و”المتطرّف”.
التحديات التي رفعها الشرع تبدأ باحتواء المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في صناعة “انتصاره”، و”المقاومين الفلسطينيين” الذين لهم قواعدهم داخل سوريا عموما ومخيّمات اللاجئين خصوصا، ومحاربة تنظيم “داعش” الى جانب القوة العسكرية التي يقودها الجيش الأميركي، وتحضير الأرضية الملائمة للوصول الى مرحلة التطبيع مع إسرائيل.
نظريًا، إقتراب الشرع من الغرب، عبر البوابتين السعودية والتركية، زاد حجم أعدائه ونوّعهم، بحيث لم يعد سهلًا عليه التحوّط من الجهة التي يمكن أن تضربه، خصوصًا وأنّ تقاطعًا ظرفيًا قد بدأ بجمع الأضداد عليه. وفي هذا السياق، ليس سهلًا أن يواجه المرء في آن حلفاء منقلبين، وأعداء متشابكين إذ إنّ نظرة إيران إليه تتقاطع مع نظرة إسرائيل، ناهيك بأنّ مكوّنات داخلية سورية تريد استغلال أيّ تطوّر للإنفصال عن قيادته إذا كان الإنقلاب عليها ليس متاحًا.
وتأسيسًا على ذلك، يعتبر كثير من المنظرين أنّ السؤال ليس عن “نهاية الشرع” بل عن التوقيت فقط.
وليس غريبًا، في دول تنعدم فيها البدائل الديموقراطية، توقع حصول انقلابات واغتيالات، خصوصًا مع تسجيل العقود السابقة وقائع تُظهر عجز أيّ قوة تنتمي الى “الإسلام السياسي” عن الثبات في السلطة بدءًا بالجزائر، قبل “الربيع العربي” مرورًا بمصر وتونس، بعده.
ولكن، بالنسبة لمراقبين آخرين، لا حتميات “تاريخية” في العمل السياسي، إذ إنّ لكل دولة معطياتها وظروفها وطبيعتها الجيو- سياسية.
ويعتبر هؤلاء أنّ وضعية الشرع لا تشبه أيّ وضعية أخرى في ال منطقة العربية، فتجارب الجزائر ومصر وتونس، مختلفة كليا عن الواقع السوري المستجد، إذ إنّ نتائج صناديق الإقتراع فيها كانت في مكان وتطلعات المؤسسات العسكرية فيها كانت في مكان آخر.
في التجربة السورية ليس هناك لا صناديق اقتراع ولا جيش يستحق هذه التسمية، فالشرع وصل الى القصر الرئاسي بالقوة العسكرية فيما الجيش السوري لم يكن مؤسسة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، بل كان جيش نظام قوامه عائلة الأسد نفسها.
وهذا يعني أنّ أخطار الانقلاب على الشرع “شبه مستحيلة”، لأنّ الجيش الجديد يتم تكوينه حاليًا، وقوامه الشخصيات الأساسية التي تحيط بالرئيس السوري الانتقالي نفسه وتخشى عليه وترغب باستمراره.
وإذا كانت تجربة الشرع تحاكي رؤية المحافظين في المجتمع السوري، وهم أكثرية عددية، فإنّ نجاح الرئيس السوري في إعادة دولته الى الخريطة العالمية الاقتصادية والمالية والثقافية والعلمية، يجذب إليه مكوّنات كثيرة كانت متحفظة على قيادته.
وإذا كانت تجربة “الإسلام السياسي” الذي حكم مع رجب طيب أردوغان تركيا، لها شعبية كبيرة في سوريا، فإنّ “الاعتدال “يجد نفسه مطمئنا بعد احتضان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقيادة السورية الجديدة، ودخول الغرب على الخط.
وعليه، بات استهداف حياة الشرع “من دون فائدة” لأنّ أي شخص سوف يحل مكانه لن يستطيع أن يزيح ولو مليمترًا واحدًا عن الأسسس السياسية التي وضعها.
والشرع نفسه، الذي خاض تجارب كثيرة، قبل وصوله الى “قصر الشعب في دمشق، قادته من السجن في العراق الى حكم إدلب، يعرف المخاطر التي تحيط به، وقد نجح في إنقاذ نفسه منها كلّها، بما في ذلك مخططات لاغتياله ومحاولات للقضاء عليه.
ويؤكد بعض المحيطين بالشرع الى أنّه شخصية تعرف ما تريد وقادرة على إقناع ناسه بما يطمح الى تحقيقه، وهو، بمطلق الأحوال، يعشق خوض غمار التجارب الصعبة التي تتماشى وقناعاته المنبثقة من قراءة واسعة للمصلحة العامة.
ويشير هؤلاء الى أن غالبية من بقوا مع الشرع مقتنعون بأنّ التجربة الجديدة في سوريا يجب ان تأخذ مداها، مهما كانت التضحيات المطلوبة كبيرة.
إذًا، تنقسم الآراء حول قدرة الشرع على الاستمرار في خوض غمار التحديات التي أخذها على عاتقه، ولكنّ الأكثرية متفائلة لأنّ الرئيس السوري يُدرك جيّدًا أين يضع قدميه، ومتى يمكنه أن يُقدم ومتى عليه أن يُحجم.