في توقيت متزامن، وجّه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، والمبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، تحذيرًا إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، مؤكدين أن رفع العقوبات عن نظامه، وعن تنظيم “هيئة تحرير الشام”، ليس قرارًا نهائيًّا بل إجراءٌ مبدئيّ، هدفه “منح فرصة” وليس ترك الأمور “تفلت على غاربها”. وشدّدا على أن نظامه ليس مدلّلًا، بل سيُحاسَب كما حُوسب النظام السابق، في حال لم يلتزم بتعهداته تجاه الأقليات، أو فشل في ضبط مقاتليه ضمن إطار “الاعتدال”، أو عجز عن السيطرة على القرار التنفيذي.
ويأتي هذا التحذير الأميركي المنسّق على خلفية أحداث السويداء الدموية، التي انتهت بعد مفاوضات إسرائيلية – سورية، وأسفرت عن “تهجير مؤقت” لبدو المحافظة نحو درعا، وفق ما أعلنته الحكومة السورية.
وبذلك، تكون إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد انضمت إلى إسرائيل في تحميل الشرع مسؤولية المجازر التي وقعت في السويداء، سواء عبر إرسال عناصر “يصعب ضبطهم” إلى الجنوب، أو عبر فتح الطريق أمام الفصائل البدوية للمشاركة في القتال هناك.
واللافت أن الموقف الأميركي المشترك بين روبيو وبراك لم يقتصر على التلويح بـ”مبدئية” رفع العقوبات، بل ركّز على مسألة “وحدة سوريا”، مشيرًا إلى أن تحقيق هذه الوحدة يتطلّب جملة شروط، منها: محاربة تنظيم “داعش”، ومنعه من “الاصطياد في المياه العكرة”، وتفعيل الأجهزة الأمنية السورية لمنع الجهاديين العنفيين من تنفيذ المجازر، وضرورة محاكمة جميع المرتكبين، بما في ذلك عناصر النظام.
كل ذلك يشير، وفق الرؤية الأميركية، إلى أن نظام الشرع عاد إلى نقطة البداية؛ إذ لم ينجز شيئًا من التعهدات التي قدمها للرئيس ترامب خلال لقائهما الذي جرى برعاية وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
غير أن المسألة تتعدّى إعادة النظر في رفع العقوبات أو تجميد ما تبقى منها، سواء على المستوى الأميركي أو الأممي، لتصل إلى تلويح واشنطن بإعادة تقييم تمسّكها بوحدة سوريا. ما يعني عمليًا البدء ببحث المشروع الإسرائيلي المطروح داخل البيت الأبيض، والهادف إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ درزية وعلوية وكردية وسنية، بما ينسجم مع مصالح إسرائيل، وروسيا، والغرب.
وقد استثمرت إسرائيل ما جرى في السويداء، وسعي الشرع إلى حسم المعارك لصالح حكومته وسلطته المركزية، لتؤكّد موقفها الثابت في واشنطن. فشعار الحكومة الإسرائيلية الحالية في التعاطي مع الشرع يستند إلى قول النبي إرميا: “النمر لا يغيّر جلده”.
وترى إسرائيل أن الرئيس السوري أحمد الشرع، مهما غيّر من مظهره وخطابه وأدبياته، يبقى “أبو محمد الجولاني”، الذي كان في تنظيم “القاعدة”، ثم انشق عنه وأسّس “جبهة النصرة”، التي حاول تلميع صورتها بتحويلها إلى “هيئة تحرير الشام”، وهي الجهة التي حكمت إدلب قبل أن تزحف إلى دمشق وتستولي على السلطة.
وفي مواجهة احتمال أن تحقق إسرائيل مكسبًا سوريًّا في البيت الأبيض، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدفاع عن الشرع، متّهمًا إسرائيل باستغلال كل حدث لتوسيع احتلالها، ومطالبًا الولايات المتحدة ببذل جهد أكبر لاحتواء الشرع والتصدّي لإسرائيل.
وجاء تدخل أردوغان العلني عقب سلسلة من التدخلات “الصامتة” من دول عربية داعمة لنظام أحمد الشرع، ترى في موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء دلالة متكررة على مرونة شخصيته واستعداده لتقديم تنازلات من أجل وقف نزيف الدم، وتعتبره قادرًا على احتواء “صراخ الدماء” الصاعد من وجدان طائفته، تلك الطائفة التي تشعر بمحاولات جديدة لسحب البساط السوري من تحت أقدامها، وإعادتها إلى زمن الحرمان، والاضطهاد، والمعتقلات، والمنافي، والقبور.