في كل لبنان، جرت الانتخابات البلدية والاختيارية، أيّام الآحاد، ولكن الجنوب شهد استثناء، بحيث تقرر أن تكون انتخاباته المحلية، السبت.
وتختار الحكومة يوم الأحد لعمليات الاقتراع، على اعتبار أنّه يوم العطلة الأسبوعية في لبنان، لكنّها، هذه السنة، اضطرت إلى إجراء استثناء لأنّ يوم الأحد الواقع فيه الخامس والعشرون من أيّار(مايو) 2025 هو “عيد”، إذ يحتفل لبنان ب” المقاومة والتحرير”، وبالتالي رفض “حزب الله” أن يتلهى الجنوبيون عن “العيد” بالمناكفات الانتخابية، وخضعت الحكومة لضغطه مقدمة حجة “مضحكة”، إذ أعلنت أنّ هذا الأحد يتعذر إجراء الانتخابات بسبب وقوع “عطلة رسمية”، متجاهلة أنّ كل أحد من كل أسبوع هو عطلة رسمية.
وكان لبنان قد أقر بناء على طلب “حزب الله” يوم الخامس والعشرين من أيّار عيدًا للمقاومة والتحرير، تخليدًا لذكرى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، في العام 2000، ولكنه تجاهل لاحقا وجوب تخليد ذكرى انسحاب الجيش السوري من لبنان، في 26 نيسان (ابريل) 2005.
ولكن ّ المفارقة هذا العام، أنّ “عيد المقاومة والتحرير” انتهى عمليا على يد “المقاومة” التي قدمت مصالح إيران على مصالح “بلاد الأرز”، في حين ترسخ، للمرة الأولى، تحرير لبنان من النظام الأسدي الذي لم يعد له وجود حتى داخل سوريا، حيث انتقلت القيادة الى الرئيس الإنتقالي أحمد الشرع الذي دان الممارسات المخزية لبلاده في لبنان، في زمن حكم آل الأسد.
وهذا يعني أنّ لبنان في العام 2025 كان أمام عيد حقيقي، هو عيد نهاية الاحتلال السوري وتداعياته على لبنان، وأمام عيد انتهت فاعليته ميدانيا وسياسيا وعسكريًّا وأمنيّا، وهو “عيد المقاومة والتحرير”.
ولقد حوّل أصحاب هذا العيد “المقاومة” الى حالة إقليمية لا تتوافق ومصلحة لبنان العليا، بحيث جرّت على البلاد كوارث أعتى حرب ترفض إسرائيل أن تضع حدًا لها، قبل أن تتأكد من أنّ “المقاومة” قد اندثرت عسكريًّا وأمنيًّا وماليًّا، على امتداد لبنان.
وتتلاقى النظرة الإسرائيلية المدعومة إقليميا ودوليا مع النظرة اللبنانية، إذ إنّ السلطة اللبنانية أعلنت نهاية “المقاومة” نظريًا وتعمل على سحب سلاحها “توافقيا” خوفا على البلاد من هذه “المقاومة” التي تهددها ب” حرب أهلية”.
عمليًّا، كانت “المقاومة” قد فقدت مبرر وجودها مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، في العام 2000، ولكنّها، بفعل التفاهم السوري- الايراني، على إبقاء جنوب لبنان في خانة “الجبهة البديلة” و”المتراس المتقدم”، عززت سطوتها.
ومنذ التحرير تسببت “المقاومة”، وفي سياق خدمة “الأجندة الايرانية” بحربين في لبنان، واحدة في العام 2006 والثانية في العام 2023، وأفسدت علاقات لبنان الخليجية بتورطها في ملفات سوريا، واليمن، والبحرين، والكويت.
وفي العام 2024، خسّرت “المقاومة” لبنان ما كانت اللحظة الجيو- سياسية قد وفرته له في العام 2000.
وفي زمن سابق، كانت ضربة إسرائيلية واحدة تتسبب بحرب، ولكنّ الجيش الإسرائيلي حاليًا، ينفذ بأمان، آلاف العمليات ويقتل يوميا من يشاء، أينما كان في لبنان.
وبالفعل، لقد سقطت المقاومة وانتهى التحرير، على يد صنّاع “عيد المقاومة والتحرير”، ولكنّ “حزب الله” لا يعترف بالنتائج التي باتت واضحة للجميع، ويحاول أن يعمّم سردية جديدة في البلاد، حيث ينقل تبعة ما يتعرض له لبنان الى عاتق الدولة التي لم تزعم يومًا أنّها تملك القدرة على خوض مواجهة عسكرية مع إسرائيل. وحين وافق الحزب على تفاهم “وقف العمليات العدائية” الذي توصلت اليه الوساطة الأميركية، كان “حزب الله” يدرك أنّ لبنان لم يعد يريد لا مقاومته، ولا سلاحه، ولا عمله المسلّح، ولا نظرياته العدائية ولا معادلاته الردعية!
منذ توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 حتى العام 2024 كان عيد استقلال لبنان، بنظر الكثيرين، مجرد ذكرى. منذ خريف 2024، ومن دون الدخول في تفاصيل ما سبق من سنوات” أصبح “عيد المقاومة والتحرير” مجرد…ذكرى!