عندما وافق “حزب الله” على اتفاق وقف إطلاق النار بينه وبين الجيش الاسرائيلي، وفق ما توصلت اليه المحادثات التي خاضها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، في 26 تشرين الثاني الأخير، كان يُدرك أنّ ترئيس الولايات المتحدة الأميركية للجنة تنفيذ “تفاهم وقف العمليات العدائية”، يكرّس تفوّق إسرائيل في شرح مضامين الإتفاق، على اعتبار أنّ هناك تقاطعًا في النظرة الأميركية- الإسرائيلية، الى الدور العسكري للحزب.
وكان “حزب الله” يعرف بأدق التفاصيل أنّ الدولة اللبنانية لا تملك القدرة على فرض ما تريد نظرًا للإختلال الفظيع في ميزان القوى بينها وبين إسرائيل، وحاجتها الماسة الى الولايات المتحدة الأميركية بصفتها صاحبة الكلمة العليا في ك ثير من الأمور الدولية والإقليمية التي من دونها لا يمكن للبنان أن يخرج من شجونه التي ضاعفت مآسيه وكوارثه “حرب ُ المساندة” وتداعياتها العسكرية والدموية والتدميرية والسياسية اللاحقة.
إذًا، من البديهي الافتراض بأنّ” حزب الله” كان على اطلاع كامل على هذه التفاصيل قبل أن يُبلّغ الرئيس نبيه بري، الذي يلقبه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بـ“الأخ الأكبر”، موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار، خصوصًا وأنّ الحزب يقدم هذا الاتفاق، كما لو كان “انتصارًا”!
في مرحلة الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، تمّ تسليم بري زمام الأمور، فتصرّف على قاعدة أنّه “صاحب الكلمة العليا في لبنان”، خلافا لكل القواعد الدستورية، فرئيس الحكومة يومها نجيب ميقاتي “همّش” نفسه وعندما ذهب بالاتفاق الى مجلس الوزراء بعد موافقة بري على صياغته وبنوده، نظر الى وزراء “الثنائي الشيعي” في حكومته وقال لهم بوضوح إنّ الحكومة سترفض الموافقة على الاتفاق إذا تحفظ أي وزير عليه، ولكنّ شيئًا من ذلك لم يحصل. وافق عليه الجميع من دون أدنى مناقشة. وفي تلك المرحلة أيضًا، كان الرئيس جوزاف عون قائدًا للجيش، ولا كلمة فصل له في مضمون الإتفاق، فيما كان الرئيس نواف سلام الذي يصفه جمهور “حزب الله” ب“الصهيوني”، يتابع ملفاته في رئاسة “محكمة العدل الدولية” حيث عانى من هجوم إسرائيلي عليه بصفته، كما افترت، “معاديًا للسامية”.
وتأسيسًا على كل ذلك، لا يستطيع “حزب الله” أن يتعامل مع الدولة اللبنانية، كما لو أنّها “غدرت” به، فأقنعته، بوقف إطلاق النار، على قاعدة أنّها هي تملك القدرة على توفير الإنجازات التي كانت بمتناول يديه.
ويدرك القاصي والداني أنّ “حزب الله” يمتنع عن الرد على استهداف إسرائيل لمقاتليه ومبانيه ومخازنه، عجزًا، وليس احترامًا لدولة لم يُقم لها يومًا أيّ اعتبار، بدليل دخوله على الرغم من اعتراض حلفائه قبل الحكومة وقبل القوى السياسية الأخرى، في “حرب الإسناد”، ورفضه، مرارا وتكرارا، الإستماع الى التحذيرات التي كان ينقلها المبعوثون الغربيون الى المسؤولين اللبنانيين، عن المخاطر الكبرى التي تحدق بلبنان، في حال لم ينسحب“حزب الله” من“وحدة الجبهات”، إلى درجة دفعت رئيس حكومة ذاك الزمان نجيب ميقاتي الى القول:” لم يبق أمامنا سوى الصمت والصبر والصلاة”.
وبناء عليه، لا يمكن إعادة الاعتبار الى لبنان وشعبه ودولته، طالما “حزب الله” مصر على عدم السير بقرار حصر السلاح بيد الدولة، والذهاب بعيدًا في سرديته التي تقوم على أنّ الدولة عاجزة، بدليل عدم القدرة على التصدي للإعتداءات الإسرائيلية، في حين أنّ “المقاومة” هي الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان والمحافظة عليه.
مرحلة السماح الممنوحة ل”حزب الله” حتى يحسم مسألة سلاحه، بدأت تتضاءل، وبالتالي على الحزب إمّا أن يتفاعل إيجابا مع مطالب سحب سلاحه الثقيل والمتوسط، أو إعطاء الدليل العملي على “جدوى” هذا السلاح، وفق ما يرفعه من شعارات.