لماذا يتقدم الرئيس السوري أحمد الشرع دوليًّا وإقليميًّا، بعد وصوله الى السلطة، بعملية عسكرية في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي في حين يُظهر واقع الحال، تراجعًا في موقع رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، بعد وصوله الى السلطة في التاسع من كانون الثاني/ يناير الماضي؟
الشرع، وقبل دخوله الى دمشق كان على لوائح الإرهاب في حين كان عون، قبل دخوله للى القصر الجمهوري، محور اهتمام كبير في الداخل والخارج؟
الجواب عن هذا السؤال، وإن استسهله البعض، بتقديم مقارنة “مسطحة”، على اعتبار أنّ الملفات المطلوبة من الرئيسين اللبناني والسوري متشابهة، والإجراءات التي يجب اتخاذها موحدة، ومعادلات القوة التي تتحكم بالاثنين متطابقة، مبني على تعقيدات كثيرة، من شأن التعمق فيها أن يخفّف الأحكام، نسبيًّا، على أحد “ديناصورات لبنان”، وفق توصيف سابق للمبعوث الأميركي توم برّاك للرؤساء الثلاثة الذين يعجزون عن التكيّف مع التطورات الإقليمية والدولية المذهلة.
يبدأ النقاش في الإشكاليات التي تطرحها المقارنة بين الرئيسين السوري واللبناني، بطريقة وصول كل منهما الى السلطة. الشرع لم يأتِ انتخابيًّا، بل وصل بواسطة عمليّة عسكرية أطاحت بالنظام السابق وبرموزه وبحلفائه، مستفيدًا من أجواء إقليميّة داعمة، ومن انهيار عسكري غير مسبوق في “جبهة المقاومة”التي كانت، منذ سنوات، قد منعت بالتحالف مع روسيا، سقوط الأسد وحكمه.
وهذا يعني أنّ الشرع لم يأتِ مقيّدًا بأيّ من معادلات النظام السابق، لا سياسيًّا، ولا أمنيًّا، ولا عسكريًّا، ولا عقائديًّا، وبالتالي هو لا يجد أيّ حاجة الى استرضاء أي طرف للقيام بما يعتبر أنّه من الضروري القيام به، لمصلحة إعادة سوريا، بقوة، الى الساحتين العربية والدولية.
تحرر الشرع من القيود الداخلية، ولو كانت هناك صعوبات كبيرة تحتاج الى جهود جبارة، سمحت له بأخذ مبادرات جعلت منه شريكًا محتملًا لقوى إقليمية ودولية، تتقدمها بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية.
وهذه ليست حال الرئيس اللبناني جوزاف عون. هو أتى الى السلطة بمسار توافقي. لقد شارك “حزب الله” بانتخابه. ولم يحصل ذلك، من دون تعهدات مسبقة. وهو محكوم بمسار سياسي “تفاهمي”، اذ إنّه مقيّد بآليات دستورية وبتوزع الصلاحيات مع حكومة “تشاركية”.
وهذا يعني أنّ القواعد التي تتحكم بالنظام اللبناني تقيّده، وتاليًا هو لم يأت على أنقاض نظام سابق.
الأهم من ذلك كله، أنّ التغيير الجذري في ميزان القوى لم يحصل لمصلحة القوات المسلحة اللبنانية، بل لمصلحة إسرائيل، وبالتالي فإنّ المطروح على عون يتلخص في وجوب أن يستغلّ ما قام به الجيش الإسرائيلي، وهو بالمعيار اللبناني جيش معاد، من أجل التخلص من العوائق في العلاقات مع الإقليم والعالم، والتي يتسبب بها حزب الله.
والقفز فوق العراقيل التي يضعها الحزب تقتضي سبيلًا من اثنين: موافقة الحزب على حل تنظيمه العسكري أو إجباره على ذلك بعملية عسكرية قد تتحوّل الى حرب داخلية.
وهذه الوقائع كفيلة بذاتها، في حال لم تجد عقلًا خلّاقًا، الى إيجاد هوّة هائلة بين النيات المعلنة كلها في خطاب القسم ومن ثم في البيان الوزاري للحكومة وبعد ذلك في قرار الخامس من آب/أغسطس الماضي والقاضي بحصر السلاح بيد الدولة في مهلةأقصاها نهاية العام الحالي.
ولهذا، فيما كان احمد الشرع يستعد لدخول البيت الأبيض شريكًا في مكافحة الإرهاب وصناعة السلام الإقليمي، كانت افتتاحية “وول ستريت جورنال” الواسعة التأثير في الحزب الجمهوري الحاكم، تتحدث عن يأس أميركي من لبنان سمح بإعطاء ضوء أخضر لإسرائيل حتى تُنجز العمل الذي تعجز عنه السلطة اللبنانية!