يخصص “حزب الله” قدراته “اللسانية” للهجوم على رئيس الحكومة اللبنانية نوّاف سلام، لأنّه يقدم شرحًا واضحًا لروحية البيان الوزاري وللأبعاد الحقيقية لإعلان الحكومة التزامها بالقرارات الدولية التي تجمع كلها على وجوب نزع سلاح التنظيمات اللبنانية وغير اللبنانية وحصره بيد القوى المسلحة اللبنانية التي جرى تعدادها، واحدة واحدة، في اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان واسرائيل.
يعتبر لسان “حزب الله” مواقف سلام بأنّها “خيانية”، لأنّها تتجاهل واجب إعادة الإعمار، و الإعتداءات الإسرائيلية واحتلال بعض الأرض والاحتفاظ بالأسرى اللبنانيين، وتركز على سلاح “المقاومة”.
ويحاول “حزب الله” أن يخلق شرخًا “سياديًا” بين سلام ورئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وكأنّ الثاني على تناقض مع الأوّل.
ويتجاهل “حزب الله” في هجومه على نوّاف سلام جملة حقائق أهمّها، أنّ رئيس الحكومة اللبنانية، في الأشهر الثلاثة الأولى من تشكيل حكومته، حاول أن يدوّر الزوايا، بكل ما يختص بموضوع وجوب سحب سلاح الحزب، على أمل أن تؤدي الاتصالات التي يتولاها الرئيس عون الى تقدم في اجتراح الحل الواجب لفتح ثغرة في الدائرة المغلقة، ممّا يعيد إطلاق مسار التحرير والإعمار والمعافاة، لكنّ الحزب استغلّ هذا “التروي” الحكومي وانقض على كل المعايير التي وضعتها الحكومة وقبلها رئاسة الجمهورية، بحيث باتت تعني الجميع باستثناء “حزب الله” على اعتبار أنّ “سلاح المقاومة” ليس ميليشياويًّا ولا خارج الشرعية ولا يتناقض وحصر السلاح بيد الدولة، بل هو “ضرورة وطنية للدفاع عن لبنان، في إطار معادلة: جيش وشعب ومقاومة”.
إنّ تحويل “حزب الله” التروي في التعبير السلطوي اللبناني عن حقيقة الموقف الرسمي اللبناني الى مناسبة ل”تأبيد” سلاحه، انقلب وبالًا على لبنان، بحيث جمّد الأميركيون، ولو من دون إعلان، عمل لجنة الإشراف على تنفيذ تفاهم وقف العمليات العدائية، وأعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل لخوض حرب مفتوحة ضد “حزب الله”، بحيث تأخذ بالقوة العسكرية ما لن يستطيع لبنان أن يقدمه بالتفاهم والحوار الداخليين.
وهذا الضوء الاميركي للجيش الاسرائيلي، أخاف الجميع، فإسرائيل أصبحت هي المسؤولة عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وتتعاطى مع “حزب الله” كهدف دائم، ومع المنطقة الحدودية كحزام أمني، ومع التلال المحتلة كضرورة استراتيجية.
ونتج عن ذلك الكثير. المجتمع الدولي المعني بإعادة إعمار لبنان “حبس” ماله ومساهماته، في انتظار أن تتمكن الدولة من بسط سيطرتها على كامل التراب اللبناني، على اعتبار أنّ الحرب لا تزال مفتوحة، بعد سقوط اتفاق وقف إطلاق النار، وتاليًا لا أحد يعيد إعمار ما يمكن إعادة تدميره.
ودخل لبنان في ورطة حقيقية، فلا هو قادر على محاربة إسرائيل، بفعل الخلل الخطر في معادلات القوة، ولا هو قادر على التفاهم مع “حزب الله” في ظل استعداده لمقاتلة الداخل اللبناني دفاعا عن سلاحه “المستسلم” أمام القوة الإسرائيلية.
وبناء عليه، تخلّى نوّاف سلام، في ضوء إدراك مدى الكارثة التي ستتفاقم في لبنان، عن “المواقف الملتبسة” وذهب الى الوضوح. وضوح لا يقتصر على شرح خطط الدولة تجاه سلاح الميليشيات غير الشرعي، فحسب، بل تجاه السلوك الإسرائيلي الخطر تجاه لبنان أيضا!
ولأنّ “حزب الله” يركز حصرًا على سلام، تجاهل، مثلًا، أخطر تصر يح أدلى به رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أيال زامير الذي انتقل الى مقر القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي، من حيث أعلن أمام قائد المنطقة وأركانه إسقاط اتفاق وقف إطلاق النار: “المعركة ضد حزب الله في لبنان لم تنتهِ بعد وسنواصلها حتى إضعاف الحزب وانهياره”.
من الواضح أنّ مواقف سلام تنطلق من فهمها لهذا الإصرار الإسرائيلي، الذي لا يبقي لبنان في وضعية الحرب المفتوحة فحسب بل يحوّله الى دولة تنتظر، فقيرة ومنهارة، على قارعة الأمم، أيضًا!