"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

"العم سام" يحاول خطف أوروبا!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الأحد، 28 ديسمبر 2025

تشهد العلاقات الأميركية- الأوروبية واحدة من أسوأ مطباتها على الإطلاق، بحيث دخلت الى ثناياها معطيات الخصومة الشديدة. آخر فصول هذا التدهور في العلاقة بين أقوى دولة، من جهة وأقوى اتحاد إقليمي، من جهة أخرى تمثل في فرض الإدارة الأميركية عقوبات على خمس شخصيات أوروبية يتقدمهم تييري بريتون، المفوض الأوروبي السابق، متهمة إياهم بأنهم “نشطاء راديكاليون”.

وتشكل هذه العقوبة، في الواقع، نتيجة مباشرة للغرامة البالغة 120 مليون يورو التي فرضها الاتحاد الأوروبي على شبكة التواصل الاجتماعي “أكس” في بداية أيلول/ ديسمبر الماضي، بسبب عدم الامتثال للوائح قانون الخدمات الرقمية، وهو تنظيم أوروبي يلزم المنصات بزيادة اليقظة في مكافحة المحتويات غير القانونية والمعلومات المضللة. وقد وصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو هذه الغرامة بأنها «هجوم على جميع منصات التكنولوجيا الأميركية وعلى الشعب الأميركي من قبل حكومات أجنبية»، فيما دعا إيلون ماسك الى ضرورة “فرط” الاتحاد الأوروبي.

في الواقع، لا تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تفتيت الاتحاد الأوروبي، بل الى احتوائه من خلال إحداث تغييرات سياسية وعقائدية واجتماعية في دوله السبع والعشرين، ليصبح حليفا تابعًا، وتتواءم “تبعيته” العسكرية للولايات المتحدة الأميركية بتبعية عقائدية واقتصادية.

وليس سرًّا أنّ إدارة ترامب تشكل فرصة نادرة لليمين الأميركي المحافظ – وهو لا يبدو براغماتيًّا على الإطلاق، بل يتصرف على قاعدة عقائدية تقربه الى حد كبير من السلوكيات المكارثية- للتخلص من كل أنواع الإشتراكية في العالم الغربي، والتي تجد في أوروبا ملاذا آمنا ومنصة انطلاق وحصانة ثمينة. ويعتقد هذا اليمين الأميركي أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حليف ممتاز – ولو مرحليًّا- لإنجاز هذه المهمة، ليس بسبب تناغمه مع “العقيدة المحافظة” فحسب، بل لأنّ، أيضًا- وهذا الأهم- يصعّب على الدول الأوروبية أن تخرج بتمردها عن حدود إطلاق المواقف المستاءة، في حمأة الحاجة إلى استمرار الحماية الأميركية.

وفي هذا السياق، لا تفتقد الإدارة الأميركية الحالية إلى حلفاء داخل الدول الأوروبية نفسها، بحيث تتماهى تطلعاتها مع تطلعات أحزاب اليمين الراديكالي التي تحقق انتصارات في عدد من الدول ولها شرائح شعبية وازنة في دول أخرى.

ويعمل اليمين الأميركي المحافظ على تقوية ما يُسمّى في أوروبا باليمين المتطرف، ويضع بتصرفه مجموعة وسائل، ومن بينها مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما منصة “أكس”.

وتعرف الإدارة الأميركية أنّ الاتحاد الأوروبي، بما فرضه من حدود قانونية على منصات التواصل الأميركية، لا يهدف إلى التدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، ولكنّها لا تريده أن يحمي نفسه من قدرة اليمين الأوروبي المتطرف على استغلال هذه المنصات والتسهيلات الممنوحة له فيها، ليكرس تفوّقه في القواعد الشعبية ويستثمرها في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية المقبلة.

وتدرك أوروبا مجتمعة أنّها، في نهاية المطاف، لن تستطيع أن توازن ردة فعلها على “العدوان الأميركي”، فهي تحتاج الى سنوات طويلة من الجهد العظيم والميزانيات الضخمة، قبل أن تتمكن من تحرير نفسها من “الهيمنة” الأميركية، ولكنّها تحاول أن تخفف من الخسائر، علّ الانتخابات الأميركية المقبلة تعيد الى البيت الأبيض من لا يكره القيم الأوروبية التي طالما سعت الى أن تجد توازنًا بين الليبرالية “المتوحشة” من جهة وبين “الحرية المتأنسنة”، من جهة أخرى!

المقال السابق
انهِ عامك مرتاح البال.. نصائح نفسية بسيطة لتخفيف الإرهاق الذهني قبل رأس السنة
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

ألم يعد ياسين جابر "رمز العزّة" الشيعية؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية