في السادس والعشرين من تشرين الثاني 2024، توصّل لبنان وإسرائيل، بوساطة أميركية، إلى تفاهم لوقف العمليات العدائية، ودخل حيّز التنفيذ فجر اليوم التالي.
منذ الأيام الأولى لتطبيقه، بدا هذا التفاهم غريبًا، حتى وصفه البعض بأنّه ليس سوى «صك استسلام مشرّف» لحزب الله، بدءًا من جنوب نهر الليطاني.
في المرحلة الأولى، دخل الجيش الإسرائيلي إلى قرى وبلدات جنوب الليطاني، فدمّر المباني، وجرف الطرق والبساتين، وسرق أشجار الزيتون المعمّرة، ونزع الأسلحة، ودمّر المخازن والأنفاق.
وبنهاية هذه المرحلة، جرى تمديد التفاهم، بحيث استكمل الجيش الإسرائيلي عملياته «التطهيرية»، ممّا مكّنه من تمهيد الأرض لتكون مسرحًا لمراقبته المستمرة، وتحويلها إلى منطقة أمنية عازلة ممنوع الدخول إليها.
وقبل انطلاق المرحلة الثانية، ومع موافقة واشنطن المشرفة على لجنة تنفيذ التفاهم، قررت إسرائيل عدم الانسحاب من التلال الاستراتيجية داخل لبنان.
عندما بدأت المرحلة الثانية، بدا كل شيء أكثر غرابة: إسرائيل راحت، بشكل منهجي، تقصف مواقع لحزب الله في الجنوب والبقاع، وتنفّذ عمليات اغتيال متسلسلة، وتمنع سكان القرى الأمامية من العودة إلى منازلهم وأعمالهم وحقولهم.
اللافت أنّه، فيما كان لبنان يتهم إسرائيل بخرق الاتفاق، كان الجيش الإسرائيلي يصرّ على أنّ ما يقوم به من قصف واغتيالات وتوغلات إنما هو تطبيق صارم للتفاهم مع لبنان!
الإدارة الأميركية، التي صاغت هذا التفاهم، لم ترفع الصوت بوجه إسرائيل، بل اعتبرت أنّه طالما بقي سلاح بيد حزب الله في أي بقعة من لبنان، فهذا يعطي إسرائيل الحق في القيام بكل ما تقوم به دفاعًا عن نفسها.
ومع مرور الأيام، وتراكم الخسائر والدمار والقتلى على الجانب اللبناني، تبيّن أنّ هذا النهج الحربي سيستمر حتى نزع سلاح حزب الله في كل لبنان، وحل جناحه العسكري، والتوجّه إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
لكن هذا المسار تعرقل: لبنان عجز عن نزع السلاح وعن الذهاب إلى ا لمفاوضات بما يتناسب مع مواقف حزب الله.
ومنذ بدء تطبيق التفاهم، كان واضحًا أنّ حزب الله هدّد مرارًا بالرد على إسرائيل، لكنه لم ينفّذ أيًّا من تهديداته.
التجربة الوحيدة التي أقدم عليها الحزب كانت عندما أطلقت مجموعة مجهولة بضعة صواريخ على منطقة مفتوحة. فجاء الرد الإسرائيلي قويًا، إذ دمّر أبنية في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي أقضية صور والنبطية وبنت جبيل.
وقامت القيامة بسبب هذه الصواريخ التي عاد الحزب وتنصّل منها. وكان لافتًا أنّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى قدّم شكوى ضد من أطلقها، واصفًا إيّاهم بالعملاء والتخريبيّين!
وفي ظل عجز لبنان عن نزع سلاح حزب الله، ها هي التهديدات بتجدّد الحرب تطرق أبواب لبنان مجددًا!
ومع ذلك، لا يتردّد الشيخ نعيم قاسم في إبلاغ جمهوره بلا كلل أنّ إسرائيل، عندما شعرت بالعجز أمام حزبه، طلبت وقف إطلاق النار!